إن كان نوم يونان يمثل نوعًا من الرخاوة، لكنه في نفس الوقت قدم لنا جانبًا نبويًا طيبًا، فمن جهة كان يمثل البشرية المُستريحة في الرب وسط أمواج هذا العالم المضطرب. فعندما كان هيرودس مزمعًا أن يقدم الرسول بطرس ليقتله (أع ظ،ظ¢: ظ¦)، كان بطرس يغط في نومٍ عميق وهو مربوط بسلسلتين بين عسكريين في السجن وتحت حراسة مشددة. ومن جانب آخر كان يونان يمثل السيد المسيح الذي نام على الصليب كما في السفينة ليُقيم حواء الجديدة من جنبه المطعون تنعم بالراحة الحقيقية فيّه، لقد نام أيضًا على الصليب لكي يُدفن في بطن الحوت ليقوم واهبًا إيّانا قوة القيامة. وكما يقول القديس چيروم: [بينما كان الآخرون في خطر إذا به في أمان ينام ويقوم. وبناء على طلبه وبسرّ آلامه خلّص الذين أيقظوه[11]].
نعود إلى الملاحين ورئيسهم لنجدهم يتصرفون بحكمة فائقة مع لطف ووداعة، إذ قيل: "فجاء إليه رئيس النوتية وقال له: مالك نائمًا، قم أصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك. وقال بعضهم لبعض: هلم نلقي قرعًا لنعرف بسبب من هذه البلية، فألقوا القرعة فوقعت القرعة على يونان" [ظ¦-ظ§].
اتسم رئيس النوتية بوداعة فائقة في حديثه مع النبي الذي يغط نومًا في وقت كان الكل فيه يصرخ ويصلي ويلقي بالأمتعة في البحر... لقد تحدث برقة زائدة لم يجرح فيها مشاعره، حثه على الصلاة بلطف، الأمر الذي لا نجده أحيانًا في المؤمنين بل وفي الرعاة أنفسهم، إذ يفقدون سلامهم عند التوبيخ ويخسرون هدوءهم ليصلحوا من شأن الآخرين.