رسالة النبّي
على كلّ حال، ومهما كان الرّأي بما يخصّ ترتيب السِّفر الأدبيّ، إنّ رسالة يوئيل واضحة تمامًا وتتسع في موضوعيين مهمّين مترابطين. أوّلاً التجرّد المُطلق هو شرط خلاص الإنسان. وثانيًا موضوع "يوم يهوه". والموضوع الأوّل يشتبك دومًا بالثاني والثاني بالأوّل ليؤلّفا مجموعة متماسكة تماسكًا شديدًا.
"يوم يهوه" مذكور في كلٍّ من الفصول الأربعة (1 /15؛ 2 /1- 2؛ 3 /4؛ 4 /14). وما هو بيوم عاديّ، لأنّ له أبعادًا زمنيّة ومكانيّة متجسِّدة نوعًا ما. فيتراءى لنا كشيء مخيف للغاية يشبه تكاثف قوّة غير قابلة للقياس، أو طاقة لا تُضاهَى ولا توصف ولا يعبَّر عنها إلاَّ برموز ملائمة. إنّه يشبه فاجعة من الفاجعات الطبيعيّة الكبيرة. فهو تارة حرب مخرّبة، وطورًا طاقة معتمة كلّها ظلام بالنسبة إلى نورنا الأرضيّ. إنّه يفوز، فيقتل كلّ حياة ويطفئ كلّ كواكب السّماء، ويحكم بالعدم على كلّ من يطمح إلى مجابهة الله سيِّد العالم.
وهذا اليوم هو للإنسان مرادف تعرٍّ أو تجرّد مطلق يحاول النبيّ وصفه باستعمال صيغة يقتبسها من مجموعة تعابير مجازية لا تنفد. فهو يُشبه في الفصل الأوّل جرادًا كثيفـًا ينتشر ولا يستطيع أحد مقاومته (1 /4) وبسببه ينقطع كلّ طعام شهيّ عن الأفواه وحتّى كلّ قوت لا بدَّ منه للعيش. فلا خمر ولا عصير ولا قمح ولا زيت (1 /5، 10). الكرم جفّ وأصبح خرابًا، والتين ذبل وصارت شجرته حطامًا، والرّمان والنخيل والتفاح وجميع الأشجار قد ذوت، فذوى السّرور عن بني البشر (1 /7، 12). ونسمع العذراء تنوح على بعل صباها لأنّه توفيّ، والكهنة خدّام الرَّبّ ينتحبون لأنَّ التقدمة والسكيب قد انقطع عن بيت الله (1 /8-9).