تاريخ الصوم:
ربما تظن أنني سأعيد قدم الصوم إلى مرحلة الناموس الموسمي. الصوم هو أقدم من ناموس موسى. ومع قليل من الصبر ستقتنع من كلامي هذا. لا يخطر ببالك الظن بأن بداية الصوم تعود إلى يوم الكفّارة الذي حُدّد لإسرائيل في العاشر من الشهر السابع (لاويين 27:23). هلمّ تقدم أكثر في التاريخ وأبحث عن قدمه. فإن نظام الصوم لم يبتكر في الأزمنة الحديثة. إن هذه الجوهرة هي من ميراث آبائنا. كل شيء يتميز بقدمه جدير بالاحترام والإجلال فاحترم إذاً وجهه الشاحب. الصوم هو من عمر الإنسانية نفسها. لقد شُرّع له في الفردوس. إن آدم هو الذي تقبّل الوصية الأول للصوم "من شجرة معرفة الخير والشر لا تأكل" (تكوين 17:2). العبارة "لا تأكل"ما هي إلا شريعة صوم وإمساك.
لو أن حواء لم تأكل من ثمر العود لما كنّا بحاجة إلى الصوم الحاضر. "لأن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى" (متى 12:9). لقد ترتّب علينا كثير من الشرور بسبب خطايانا، فلنعالجها إذاً عن طريق التوبة. لكن التوبة بدون صوم لا تأتي بثمر. "إن الأرض ملعونة بسببك وسوف تنبت شوكاً وحسكاً" (تك17:3-18). لقدّ تسلّمت وصية التعرّف ضمن حدود ولم تعطَ أن تستسلم لملذات الجسد. حسابك لله يكون عن طريق الصوم. إن العيش في الفردوس يعكس صورة الصوم. لا لأن الإنسان كان يتشبه بالملائكة عن طريق القناعة، بل أيضاً لأنه لم يكن ليعرف في الفردوس كل ما ابتكره الناس بعد ذلك من شرب خمر وذبائح حيوانية وكل ما يعكّر صفو ذهن الإنسان.