من ناحية أخرى، اعتقد البعض من أصحاب الرأي الأول، الذين ينادون بأن يفتاح قدَّم ابنته ذبيحة دمويَّة، أن الكلمة “لينُحنَّ” في الآية: “أن بنات إسرائيل يذهبن من سنة إلى سنة لينُحنَّ على بنت يفتاح الجلعادي أربعة أيام في السنة” (الآية 40)، تشير إلى البكاء على الميت. ولكن الكلمة في أصلها العبري لا تعني هذا. لقد وردت هذه الكلمة مرة أخرى في كل كتب العهد القديم وذلك في كتاب القضاة11:5 حيث ترجمت “يثنون”، وهذا معناه أن بنات إسرائيل[1] كن يمدحن ويشدن بتضحية هذه الفتاة لعذراويتها مقابل انتصار شعبها على الأعداء. ولا من مانع لإمكانيِّة وجود التقليد السنوي لزيارة الفتيات ابنة يفتاح، لتشجيعها ومدحها وتكريمها عندما كانت حيَّة آنذاك، أما بعد موتها فقد أضحى هذف الزيارة تقديم الثناء لهذه الفتاة الباذلة، ولإحياء ذكرى الانتصار على الأعداء أيضًا.
رابعًا: بعد انتهاء فترة بكاء العذراويَّة حان موعد عودة الابنة إلى أبيها نقرأ بأنه “فعل بها نذره الذي نذر” (الآية 39). لاحظ أنه لا توجد في كل المقطع إشارة واحدة واضحة بأنه قدّمها ذبيحة دمويَّة للرب، بمعنى أنه استعمل في ذلك السكين لذبحها والنار لإشعالها كما كانت عادة تقديم الذبائح آنذاك. إن يفتاح فعل بابنته كما نذر، أي أنّه كرَّسها للخدمة في الهيكل. وهذا النوع من الخدمة له أساسه في العهد القديم سواء للرجال مثل صموئيل (1صموئيل1: 22-28) أم للفتيات (خروج8:38)، كما أن عادة تواجد بعض النساء في الهيكل مألوفة أيضًا (1صموئيل22:2). فقد كانت النساء تقمن بخدمة الطهي والغسيل والترتيب وما شابه. إضافة إلى ذلك فإنه من المحتمل بأن بنات شيلوه، وهو المكان الذي كان فيه تابوت العهد (قضاة21: 19-23)، كانت لهن خدمة معيَّنة مرتبطة بمكان العبادة.