الرأي الثاني: يعتقد أصحاب هذا الرأي أن يفتاح لم يقدّم ابنته ذبيحة لله، بل كرَّسها لخدمة الله في الهيكل، حيث نذرها لتبقى عذراء طوال فترة خدمتها فيه.
أميل إلى قبول الرأي الثاني، ولكن قبل أن أستعرض الحجج المؤيدة له، أود أن أقوم بالرد على الرأي الأول وعلى النظريات المتفرعة عنه.
أولاً، إن ظهور عادة جارية في بعض مناطق الشرق الأدنى القديم، لا يعني أن قصة يفتاح هي رواية أو أسطورة أو خرافة مماثلة لما كان سائدًا في الشرق الأدنى القديم. مما شكَّ فيه أن عادة تقديم الذبائح البشريَّة إرضاء للآلهة كانت موجودة في بعض معتقدات الشرق الأدنى القديم (ولكنها لم تكن واسعة الانتشار، كما يظن البعض)، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يفتاح اتبع مثل هذه العادة كما سيتبين لنا بعد قليل.
ثانيًا، ليس هناك ما يؤكد أن يفتاح كان غير عالم بوصيَّة الله التي تنهى عن تقديم الذبائح البشريَّة. إن متابعتنا لحديث يفتاح ومحاوراته ومفاوضاته مع العمةنيين تجعلنا ندرك أنه كان على علم بالشريعة والوصايا التي كانت معروفة غرب الأردن (قضاة11: 12-28). كما أنه ليس من الضروري لشخص ما أن يلمَّ بكل تعاليم إحدى الديانات ليدرك أحد الأمور أو التعاليم الجوهريَّة فيها. فليس ضروريًّا على المسيحي أن يلمَّ بكل تعاليم الديانة الإسلاميَّة ليدرك أن الصلاة هي إحدى تعاليمها الجوهريَّة. إن وصيَّة عدم تقديم الذبائح البشريَّة يمكن معرفتها دون الحاجة لمعرفة كل دقائق الشريعة وتفاصيلها.