ربما يقول "تعهدته ليلاً، لأن الليل هو ترمومتر الحياة الروحية، فيه تنكشف القلوب. الإنسان الملتهب قلبه بالحب طول نهاره عندما يحل الليل يجد لذته في التمتع بالصلاة ودراسة الكتاب المقدس والتأملات الروحية، وحينما يضع رأسه يردد في قلبه: "إني لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعينَّي نومًا أو لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعًا للرب" (مز 132 صلاة النوم). يضع رأسه على وسادته ليهيم فكره في السماويات حيث يوجد قلبه ويكون هناك كنزه. أما من ارتبك بهموم الحياة فلا يجد في الليل لذة بل يعاني من الأرق ويزداد قلقه، ويصير الليل لا للراحة بل لاختبار عربون الجحيم الذي لا يُطاق. والذي يقضي يومه في الملذات الجسدية والتسيّب من جهة حواسه، فمتى حلّ الليل ينغمس بالأكثر في أحلام اليقظة المثيرة لجسده وأفكاره... وهكذا يكشف الليل للإنسان حاله الداخلي.
في الليل تنفتح السماء أمام عيني المرتل ليهيم في حب الله ويصلي من أجل أخوته!
ه. ضبط لسانه:
"لكيما لا يتكلم فمي بأعمال البشر" [3].
لقد تهيأ المرتل تمامًا لتقديم أفكاره وكلماته وأعماله لفحص دقيق جدًا من قبل الله، وفي نفس الوقت أدرك الغبطة التي يتمتع بها الإنسان الذي يصرخ إلى الله ليهبه كمال القلب والحديث والعمل.
* "لكيما لا يتكلم فمي بأعمال الشر"، أي لئلا يفلت من شفتي كلام إثم، بل يخرج منهما كل ما يليق بمجدك وحمدك، وليس كتعديات البشر المقاومين مشيئتك.
القديس أغسطينوس.