ويلاحظ في المزمور الذي بين أيدينا الآتي:
أ. لا يمكننا فهم الدفاع بالبر هنا كتعبير ساذج عن البر الذاتي، فهو ليس مجرد تأكيد من جانب الإنسان العابد على خلوه من الخطية، إنما هي محاولة لتبرير الإنسان من إتهامات معينة ظالمة[344]. فبقولنا: "استمع يا الله عدلي (بري)"، لا نعني أننا بلا خطية، وإنما نعني أن صوت دم السيد المسيح واستحقاقاته أعظم من صوت الاتهامات الباطلة ضدنا بل ومن صوت الخطية التي تشهد ضدنا، صوته فينا أقوى، لأنه صوت برّ المسيح، الحق الإلهي!
في برّ المسيح نسمع صوت الرسول: "طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها، كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر..." (يع 5: 16-17) وكأنه ببر المسيح نحمل مفتاح السماء، ويستجيب لنا الآب نفسه!
ب. بقوله: "فليست هي بشفتين غاشتين" يعلن المرتل أنه لا ينطق في صلاته بالشفاة المجردة، وإنما خلال إنسجام الشفتين مع إخلاص القلب الداخلي، وأمانة العمل؛ وكأن المرتل يعلن أن صلاته تخرج من كيانه كله: الفكر الداخلي أو نية القلب والكلمات مع العمل.
صاحب الشفتين الغير غاشتين يحمل إخلاصًا داخليًا وصدقًا في تصرفاته الظاهرة، فلا يسقط تحت التوبيخ الإلهي: "جبهة امرأة زانية كانت لكِ... ألست من الآن تدعينني يا أبي أليف صباي أنت... ها قد تكلمتِ وعملتِ شروراً واستطعتِ" (إر 3: 3-5). شفتا الغش مكروهة عند الناس فكم بالحري تكون مكروهة لدى الرب؟! الله لا يطلب صلوات الشفاة الغاشة، وإنما يطلب سكب النفس (1 صم 1: 15) وسكب القلب (مز 62: 8).
ج. إذ يلجأ المرتل إلى الله يجد في الحضرة الإلهية راحته، فيطلب منه أن يتسلم بنفسه قضيته ويعلن أحكامه فيها علانية، لأنها أحكام عادلة ومستقيمة.
"من وجهك ليخرج قضائي،