عرض مشاركة واحدة
قديم 04 - 08 - 2012, 08:16 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,348,799

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: الله الحقيقي من يكون ؟

ج) ثم يوضح كيف أن الثلاثة إله واحد:

"إن كلاًّ من الأقانيم هو في الآخر، لئلاّ نصير إلى كثرة وجمهرة في الإلهة. لذلك نقرّ بعدم تركيب الأقانيم الثلاثة وبعدم اختلاطهم، ولذلك أيضا نعترف بوحدة الأقانيم في الجوهر، وبأنّ كلّ واحد منهم هو في الآخر، وبأنها هي هي مشيئتهم وفعلهم وقوّتهم وسلطتها وحركتهم- إذا صحّ التعبير، وبأنّهم إله واحد غير منقسم. فإنّ الله واحد حقاً، وهو الله وكلمته وروحه.

" إني لا أقول بتشابه، بل بوحدة هوّية، ووحدة انطلاق الحركة. فالجوهر واحد والصلاح واحد والقوّة واحدة والمشيئة واحدة والفعل واحد والسلطة واحدة، بل هي واحدة وهي هي نفسها، لا ثلاثة أمثال بعضهم في بعض، بل حركة واحدة وهي هي في الأقانيم الثلاثة. فلكلّ منهم، بالنسبة لغيره، ليس أقلّ مما له بالنسبة لنفسه، أي إن الآب والروح القدس واحد في كلّ شيء، ما عدا اللاولادة والولادة والانبثاق. وهذا التمييز بكون بفعل التفكير، فنعرف الله واحدا، ونعرف في وحدة خواصّه الأبوّة والبنوّة والانبثاق. ونفهم الفرق على حسب العلّة والمعلول وكمال كل أقنوم، أي طريقة وجوده. فلسنا نستطيع القول بانفصال مكانيّ- كما هو الحال عندنا- في اللاهوت غير المحدود، لأنّ الأقانيم هم أحدهم في الآخر، لا على طريقة الاختلاط، بل التواجد، على نحو قول الرب القائل: "أنا في الآب.. والآب فيّ" (يو 14: 11).

"ولسنا نقول باختلاف في الإرادة أو الرأي أو الفعل أو القوّة أو أي شيء آخر، الأمر الذي يُحدث الانقسام الفعليّ الذي فينا في كلّ شيء. لذلك لا نقول بآلهة ثلاثة، آب وابن وروح قدس، بل بالأحرى بإله واحد، الثالوث المقدّس، مرجعُ الابنِ والروحِ فيه إلى علّة واحدة بدون تركيب ولا اختلاط - ذلك ضد هرطقة صابيليوس- فإنهم متّحدون، كما قلنا، لا للاختلاط بل للتواجد بعضهم في بعض ونفوذ أحدهم في الآخر، بدون امتزاج، ولا تشويش، ولا انفصال، ولا انقسام- ذلك ضد هرطقة آريوس".

يؤكد يوحنا الدمشقيّ في هذا النصّ، وحدة الجوهر، أي وحدة الألوهة ووحدة الخواص الإلهيّة: الصلاح والقوّة والمشيئة والفعل والسلطة. لذلك لا نقول بآلهة ثلاثة، بل بإله واحد. لكن الإله الواحد الذي نؤمن به هو في ثلاثة أقانيم غير مختلطين، أي متميّزين (وذلك ضد صابيليوس والبدعة الشكلانية)، وغير منفصلين ولا منقسمين (وذلك ضد آريوس). ثم يوضح هذا التمييز بين الأقانيم في الإله الواحد، فيقول:

وإذا وجب الاختصار نقول: إنّ اللاهوت لا يمكن أن يُقسم إلى أقسام، وهو على نحو ما يصير في ثلاثة شموس متواجدة بعضها في بعض وهي لا تنفصل، فيكون مزيج النور واحداً والإضاءة واحدة إذاً عندما ننظر إلى اللاهوت، على أنه العلّة الأولى، والمبدأ الواحد، والواحد، وحركة اللاهوت ومشيئته الواحدة- إذا صحّ القول-، وقوّة الجوهر وفعله وسيادته ذاتها، فالذي يتصوّر في ذهننا هو الواحد. أما عندما ننظر إلى مَنْ فيهم اللاهوت أو- بعبارة أدق- إلى مَنْ هم اللاهوت، لا سيما إلى الصادرَين من العلّة الأولى بلا زمن والمساويَين لها في المجد وعدم الانفصال- أعني الابن والروح-، فالمسجود لهم ثلاثة: الآب آب واحد وهو لا مبدأ له- أي لا علّة له-، لأنّه ليس من أحد. والابن واحد وهو ليس بلا مبدإ- أي بلا علّة- وهو من الآب. وإذا اعتبرت البدء انطلاقاً من الزمن، فالابن لا بدء له، لأنّه صانع الأزمان وهو ليس تحت الزمن. والروح القدس روح صادر من الآب وذلك ليس بالولادة بل بالانبثاق، لأن الآب لم بنفكّ أن يكون غير مولود- فإنّه قد ولد الابن- والابن لن ينفكّ أن يكون مولوداً- لأنه وُلد من غير المولود-، فكيف إذاً؟ والروح القدس لا يستحيل إلى الآب أو إلى الابن، لأنه منبثق ولأنّه إله. فإنّ خاضته لا تتحرّك، وإلاّ كيف تبقى خاصّة إذا تحرّكت واستحالت؟ فإذا صار الآب ابناً، فلا يكون آباً بالحقيقة- لأنّ الآب واحد حقاً- وإذا صار الابن آباً فلا يكون ابناً بالحقيقة، لأن الابن واحد حقاً. والروح القدس واحد.

" واعلم أننا لا نقول إنّ الآب من أحد، بل نقول إنّه أبو ابنه، ولا نقول إنّ الابن علّة أو آب، بل نقول إنّه من الآب وإنّه ابن الآب. ونقول أيضاً إنّ الروح القدس من الآب، ونسمّيه روح الآب. ولا نقول إنّ الروح القدس من الابن، ومع ذلك نسميه روح الابن. يقول الرسول الإلهي: " إن كان أحد ليس فيه روح المسيح فهو ليس منه" (رو 8: 9). ونعترف أنّ الابن يظهره ويمنحه لنا، فقد قال: "نفخ في تلاميذه وقال لهم: خذوا الروح القدس" (يو 20: 22). فكما أن الشعاع والنور من الشمس- وهي ينبوع الشعاع والنور- كذلك يمنح لنا إشراق نوره بواسطة الشعاع، فينيرنا به ويكون متعتنا. ولسنا نقول إن الابن ابن الروح ولا إنه من الروح".

إنّ تشبيه الأقانيم الثلاثة في الجوهر الواحد بالشمس وشعاع الشمس ونور الشمس هو تشبيه قديم في اللاهوت المسيحي. وهو يوضح أنّ الشمس لا يمكن أن تكون شمساً دون شعاع ودون نور. كذلك الآب لا يمكن أن يكون آباً دون ابن ودون روح. وكما أنّ الشمس لا تأتي إلينا كلّها، بل فقط بشعاعها ونورها، كذلك الله الآب لا يأتي إلينا إلاّ بابنه وروحه. وكما أنّ الشعاع والنور هما من ذات جوهر الشمس، كذلك الابن والروح هما من ذات جوهر الآب. فإذا حدّدنا الجوهر بقولنا إنه الجواب على السؤال: "ما هذا؟"- والأقنوم بأنه الجواب على السؤال: "من هذا؟"، نقول إنّ مما يأتي إلينا، في التجسد هو الله في جوهره الإلهي، أما مَنْ يأتي إلينا فهو ليس أقنوم الآب، بل أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس.

تلك هي تعاليم القديس يوحنا الدمشقيّ في الثالوث الأقدس، وقد استفضنا فيها بعض الشيء، لكونها توجز تعليم الآباء الشرقيّين في هذا الموضوع الأساسيّ في الإيمان المسيحيّ.


يتبع
  رد مع اقتباس