القديس أوغسطينوس
في حين ينطلق الآباء الشرقيّون، في نظرتهم إلى الثالوث الأقدس، من الأقانيم الثلاثة للوصول إلى الجوهر الواحد، ينطلق أوغسطينوس، على غرار ترتوليانوس، من وحدة الجوهر، ثم ينتقل إلى الأقانيم الثلاثة فالجوهر الإلهيّ، في نظره، يسبق منطقياً الأقانيم الثلاثة.
ومن الوحدة في الجوهر تنتج نظرة أوغسطينوس إلى علاقة الثالوث الأقدس بالعالم. فلا يكتفي بالقول، على غرار الكبّاذوكيين، إنّ الأقانيم الثلاثة بعضها غير منفصل عن بعض في أعمالها تجاه العالم، بل يذهب إلى القول إن الأقانيم الثلاثة مرتبطة بالعالم كمبدإ واحد.
غنيّ عن البيان أنّ الكتاب المقدس يتكلّم لغة أخرى. وهذا ما رآه جليًّا الكبّاذوكيون الذين يؤكّدون أن كل أقنوم متميّز في عمله عن عمل الآخرين، دون أن يكون منفصلاً عنهما. أمّا أوغسطينوس فيعتبر أن هذا التمييز بين عمل الأقانيم هو في الواقع مجرّد تعبير بشري يدعوه "التخصيص"، أي إننا نحن البشر نخص كلاًّ من الأقانيم بالأعمال التي تتوافق أكثر مع مصدره، مع ان كلّ تلك الأعمال هي في الواقع من عمل الأقانيم الثلاثة.
أمّا ما يميّز الأقانيم فهو فقط العلاقة التي تربط الواحد بالاثنين الآخرين وهذه العلاقة هي علاقة محبة. ولقد استند أوغسطينوس إلى تعريف الله كما ورد عند يوحنا الإنجيلي: "الله محبة" (1 يو 4: 16)، ورأى في الأقانيم الثلاثة العناصر الثلاثة الضروريّة التي تكوّن المحبة: المحبّ، المحبوب، والمحبة ذاتها. فالآب هو الذي يحبّ الابن، والابن هو الذي يحبّه الآب، والروح القدس هو المحبة ذاتها، كما جاء في قول بولس الرسول: "إنّ محبّة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه" (رو 5: 5). فالروح القدس هو علاقة المحبة التي تربط الآب بالابن والابن بالآب، هو المحبة المتبادلة بين الآب والابن. وهذا ما يفسّر، في رأي أوغسطينوس ما ورد في العهد الجديد عن الروح القدس من أنّه تارة "روح الآب" وتارة "روح الابن".
وهكذا يحافظ على فكرة "المبدأ الواحد" بين الأقانيم الثلاثة، تلك الفكرة التي ركّز عليها الآباء الشرقيّون إلى جانب تأكيدهم وحدة الجوهر في الآب والابن والروح القدس.