ألوهية الروح القدس
لقد اهتمّ الكباذوكيون اهتماماً خاصّاً بتبيين ألوهيّة الروح القدس ضد مكدونيوس وأفنوميوس وأتباعه.
اغتصب مكدونيوس كرسيّ القسطنطينية بأيدٍ من الملك قسطنديوس بعد إنزال أسقفها القانونيّ بولس. إلا أنه لم يعتّم أن خلع عن كرسيّه سنة 360. وكان مكدونيوس من أتباع الآريوسية المعتدلة التي كانت تعظّم الابن غير الخلوق، إلاّ أنها تنكر عليه أن يكون "من ذات جوهر الآب". أمّا عن الروح القدس، فكان مكدونيوس يقول "إنّه أحد الأرواح الخادمة، وإنّه لا يختلف عن الملائكة إلا بالرتبة". فكان إنكار ألوهيّة الروح القدس ضلاله الرئيس، لذلك دعي أتباعه "محاربي الروح".
أمّا إفنوميوس وأتباعه فكانوا من الآريوسيين المتطرّفين. فكتب باسيليوس مقالة "ضد أفنوميوس"، وأخرى "في الروح القدس". ففيمَا كان يقول أفنوميوس: "إنّ الروح القدس هو ثالث بالكرامة والمرتبة، لذلك هو ثالث بالطبيعة"
يجيب غريغوريوس النزينزي فيؤكّد أنّ الروح القدس هو إله، ويبيّن ألوهيّته مع الآب والابن:
"ماذا إذن؟ هل الروح القدس هو إله؟- دون جدل.- ماذا إذن؟ ومن الجوهر الواحد؟- نعم، بمَا أنه إله".
"لنرتعد أمام عظمة الروح الذي هو أيضا إله. فبالروح عرفنا الله. إنّه إله بأجلى بيان، هو الذي يؤلّهني، وكلّي القدرة وموزّع المواهب الإلهية، يعطي الحياة للكائنات السماوية والأرضية، هو الذي يحيا في الأعالي، وينبثق من الآب. إنّه القوة الإلهية، ومع ذلك يعمل من تلقاء نفسه. ليس هو بالابن، لأنّ للآب السماويّ ابنًا وحيدًا مملوءًا من صلاحه، ولكنّه ليس بغريب عن الإله غير المنظور، بل يتمتعّ بمجد مماثل لمجده".
وكذلك غريغوريوس النبيصيّ، في عظته "ضدّ المكدونيّين"، يبيّن ألوهيّة الروح القدس انطلاقًا من عمل الروح، الذي لا ينفصل عن عمل الآب والابن. فالنعمة الإلهية تأتينا من الآب بالابن والروح. فكيف يمكن أن يكون الروح مخلوقاً، وهو الذي يحيينا بالمعمودية؟ إن ما يعطى لنا هو مسحة الابن الملكيّة، بيد أنّ هذا الملك الإلهي الذي ينزل مع المسيح على الأرض ويمنحه الروح هو ملك أزليّ: فلا بدّ أن يكون الروح أزليّاً.