ترتوليانوس
ترتوليانوس هو أوّل لاهوتيّ في الكنيسة الغربيّة توسّع في عقيدة الثالوث الأقدس، واستخدم للتعبير عنها ألفاظًا ستثبت حتى يومنا هذا، ولا سيّمَا لفظتي "جوهر"، وأقنوم أو شخص.
لقد تأثّر ترتوليانوس بالفلسفة الرواقيّة الحلوليّة، التي كانت ترى في مبدإ الكون جوهرًا واحدًا حيًّا يجمع في ذاته بين الروحيّ والجسديّ، ويبرز خارج ذاته في تعدّد الخلائق، دون أن يفقد وحدته.
لذلك ينطلق ترتوليانوس، في عرضه لسر الثالوث الأقدس، من الجوهر الإلهي الواحد الذي ظهر بثلاثة أقانيم في الخلق والخلاص. فالأقانيم الإلهية هي، في نظره، ثلاثة أنواع من العلاقات يرتبط من خلالها الإله الواحد بالعالم، وتتساوى في جوهر الالوهة، غير أنها تتفاوت في الظهور. فالآب هو منذ الأزل، و"هو الجوهر كلّه" (ضد براكسياس، 9).
كذلك القول عن أزلية وجود الابن والروح جمع الآب. فهما أزليان مع الآب، ولكن ليس كأقنومين متميّزين عن أقنوم الآب، انما كصفتين في الذات الإلهية. ولم يتميّزا كأقنومين إلاّ في الزمن، أي لدى خلق الكون ولدى حلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة. يقول ترتوليانوس:
"أن الله كان وحده.. ومع ذلك لم يكن، إذّاك، وحده بالمعنى الحقيقيّ. فقد كان معه العقل الذي فيه. إن الله عاقل، والعقل كان فيه منذ البدء، وبه كان كلّ شيء. هذا العقل يدعوه اليونانيون "لوغوس" (ضد براكسياس، 5).
ويميّز ترتوليانوس، كما فعل يوستينوس قبله، بيت الكلمة الذي هو فكر الآب وعقله منذ البدء، والكلمة الذي نطق به الآب لدى خلق العالم:
"إن الله لم ينطق بكلمته منذ البدء بيد أن كلمته كان فيه مع العقل ذاته وفي العقل ذاته، مفكراً في ما سوف يعبّر به بكلمته ومنظّمًا إيّاه" (ضد براكسياس، 5).
إن العقل والكلمة الذي قبل الخلق هو صفة خاصّة بالله، ولكنّه ليس أقنوم الابن. فعندما قال الله "ليكن نور"، وُلد منه كلمته، إذّاك ظهر الابن الوحيد المولود من الآب، والمتميّز عنه. فالابن لم يظهر في الوجود متميّزًا عن الآب إلاّ لدى خلق العالم، والروح لم يظهر متميّزًا عن الآب والابن إلاّ لدى حلوله على التلاميذ. وكما أن الابن أخذ وجوده من الآب، كذلك الروح القدس أخذ وجوده من الابن الذي طلب إلى الله الآب بعد صعوده إلى السماء أن يرسل الروح القدس على التلاميذ. وهذا ما يعنيه ترتوليانوس بالتعبير الذي صار تقليديًّا في اللاهوت الغربي: "الروح ينبثق من الآب والابن".
هكذا نلاحظ أن تعليم ترتوليانوس اللاهوتي في عقيدة الثالوث الأقدس، رغم عمقه وتأكيده على وجود "ثلاثة أقانيم في الألوهة الواحدة"، ينقصه التوازن والانسجام في الربط بين التثليث في الأقانيم والوحدة في جوهر الألوهة من جهة، ومن جهة أخرى بين ظهور الأقانيم الثلاثة ووجودها منذ الأزل في الإله الواحد.