أما بشأن إمكانية توصّل الناس إلى معرفة الله، فكان الغنوصيون يقسمون الناس إلى ثلاث فئات: المادّيين، أبناء الشيطان، الذين لا يمكنهم الوصول إلى معرفة الله، والنفسيين، أبناء الإله الأدنى، الذين يرتفعون بالمعرفة ثم يسقطون عنها، وأخيرًا الروحيين، أبناء الله، الذين يعرفون الله منذ الآن معرفة ثابتة بحَدْسهم الطبيعي. وهؤلاء فقط يمكنهم القول أنهم يعرفون الله معرفة كاملة.
جوابًا على هذه النظرة يؤكّد إيريناوس أنّ جميع الناس متساوون إزاء سر الله، الذي لا يمكن كشفه كشفًا تامًا بواسطة العقل، بل بواسطة الوحي الذي أتانا به ابن الله.
والكلمة، اذ يظهر الله للناس، لا يظهره بشكل يتيح لهم رؤيته رؤية مباشرة، وذلك لئلاّ يصل الإنسان إلى احتقار الله، وليكون دومًا أمامه هدف يحثّه على التقدّم" (ضد الهراطقة 4: 20، 7).
وحتى في السماء لن يزول هذا التقدّم في معرفة الله. يقول إيريناوس:
"ان كانت هناك، حتى في عالمنا المخلوق، أمور يحتفظ بها الله وأمور يستطيع علمُنا البلوغ إليها، فهل من الغريب أن نجد في الكتاب المقدس الذي هو روحي بمجمله، مسائل يمكننا حلّها بنعمة الله، ومسائل أخرى يحتفظ بها الله لنفسه، ليس في هذا العالم وحسب، بل أيضاً في العالم الآخر، وذلك لكي يبقى الله دوما يعلَمنا، ويظلّ الإنسان على الدوام يتعلّم على يد الله" (ضد الهراطقة 2: 28، 2- 3).
* المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس
يؤكّد ايريناوس أنّ معرفة الله لدى المسيحيين تبدأ بالمعمودية التي ينالونها على اسم الآب والابن والروح القدس. يقول في "تبيين الكرازة الرسولية":
"إليكم ما يؤكده لنا الإيمان، كما سلّمنا إياه الكهنة، تلاميذ الرسل. انه يذكّرنا أوّلاً أننا نلنا المعمودية لمغفرة الخطايا باسم الله الآب، وباسم يسوع المسيح ابن الله الذي تجسّد ومات وقام، وفي روح الله القدوس.. عندما نولد من جديد بالمعمودية التي تُعطى لنا باسم هذه الاقانيم الثلاثة، نغتني في هذه الولادة الجديدة من الخيرات التي في الله الآب بواسطة ابنه، مع الروح القدس. فالذين يعتمدون ينالون روح الله، الذي يعطيهم للكلمة، أي للابن، والابن يأخذهم ويقدّمهم للآب، والآب يمنحهم عدم الفساد. وهكذا بدون الروح، علينا رؤية كلمة الله، وبدون الابن لا يستطيع أحد الوصول إلى الآب. فان معرفة الآب هي الابن، ومعرفة ابن الله نحصل عليها بواسطة الروح القدس. ولكن الابن هو الذكي من شأنه توزيع الروح، حسب مسرّة الآب، على الذين يريدهم الآب، وعلى النحو الذي يريد" (الكرازة الرسولية 3 و7).