أسقفاً للقسطنطينية
إثر وفاة فالنس الإمبراطور تلحلح الرضع الكنسي وتنفّس الفريق الأرثوذكسي الصعداء. الأرثوذكس في القسطنطينية كانوا قلّة مبعثرة. مائة كنيسة في المدينة كانت في يد الآريوسيين. ولا واحدة كانت للأرثوذكس. لقد أقامت المدينة في السبي الآريوسي أربعين سنة كاملة. والآن بعد أن أطلّ فجر جديد جالت العيون في من تُرى يجمع شمل الرعية المتبدّدة ويشدّ أزرها. وكان غريغوريوس الخيار فاستجاب بعزم وحميّة لم يعهدهما أحد فيه من قبل. كيف لا والقضية قضية الثالوث القدّوس! الأمانة والغيرة أخرجاه مرارة نفسه إلى حلاوات النور، ومن الانكفاء إلى طليعة خراف المسيح. فجأة وُجد في القسطنطينية. لا نعرف كيف ولا الظروف. كان قد صلع وانحنى وارتسمت على محيّاه معالم النسك واحتفرت في وجهه مجاري الدموع. كان فقير الثوب، فقير الروح، لا هيأة له ولا جمال. لكن روح الرب كان فيه قوياً أخّاذاً والكلمة في فمه خلاّبة.