لذلك فهذه تعتبر مرحلة تكريس حقيقي فيها معرفة مشيئة الله وتتميمها حسب ما يقدم للنفس من وصية بالروح القدس موجهة من الله للإنسان في قلبه، فصوم التقوى هو درجة المتقدمين في حياة البرّ، بالرغم من انه الملاح الخاصة به موجودة أيضاً عند المبتدئين، لكنه ليس مثل المتقدمين الذين امتلئوا بالتقوى، لأن المبتدئ عنده فرح الطفولة، فهو يحب أبيه لكن أحياناً بسبب الدالة الطفولية فأنه يتسرع ويركض هنا وهناك ومن السهل أن يسقط لأنه لم يفهم بعد ولم تستقم مسيرته ولم يتحمل المسئولية لأنه ما زالا طفلاً يتعلَّم كيف يسير ويضبط مسيرته وما زال يستند على يد أبيه من حين لآخر، لكن متى تعلم المشي واستقام في المسيرة ويبدأ أن ينمو والأب يترك يده (مرحلة التخلي أو الجفاف الروحي) لكي يتعلم كيف يسير دون أن يمسك به أحد مع ملاحظته الشديدة، لأنه سيدخل في مرحلة شركة أعظم مما سبق بينه وبين أباه، وهي مرحلة التقوى وكيف يحترم والده ويوقره جداً ويحفظ حياته من الحيدان عن أقل شيء يعكر صفو علاقته مع أبيه الصالح، ويثبت في إيمانه وهو لا يرى شيئاً (طوبى للذين آمنوا ولم يروا) لأنه يُريد أن يفعل كل ما يُرضيه، وهنا الإنسان يتعلَّم ما هي مشيئة الله ليُنفذها كما هي دون أن يُخالفها، ويثبت في إيمانه مهم ما اختفت التعزيات، فصومه كله هو صوم التقوى وضبط النفس وفيه يغوص في الصلاة طالباً مشيئة الله لكي تتم في حياته على الأرض لأن صلاته المشتركة مع الجميع: لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، لذلك فأنه يجاهد الجهاد الحسن محافظاً على نعمة الله في قلبه، ممسكاً بالحياة الأبدية حافظاً الوصية بلا دنس ولا لوم.