18- وبالاضافة إلى ما ذكرناه، فان الحقيقة سوف تظهر بوضوح أكثر إذا دققنا النظر في تدبير الصليب الذي أعلن عن حقيقة جسده عندما سال دمه وانسكب معه ماء, فأعلن بذلك عن قداسة ناسوته وأنه بلا عيب, لأنه جسد الكلمة الله. وعندما صرخ بصوت عال "وأحنى رأسه ولفظ روحه"، أعلن بذلك عن ما في داخل جسده, أي نفسه الإنسانية التي قال في مناسبة أخرى: "أنا أضعها عن خرافي" (يو10 : 15). ولا يمكن لمن يفهم تدبير الصليب بشكل سليم أن يفهم أنه عندما لفظ أنفاسه كان هذا بمثابة مفارقة اللاهوت له، وانما خروج نفسه فقط. ولو كان الموت, أي موت الجسد كما يقولون, هو مفارقة اللاهوت لجسده، لكان هذا موتاً خاصاً به فقط، وليس الموت الذي يخصنا نحن. وكيف يمكن للاهوت أن ينزل إلى الجحيم علانية بدون حجاب يستتر به؟ وفي هذه الحال علينا أن نسأل أين النفس الإنسانية التي وعد الرب بان يضعها عن خرافه؟ ألم تكن هي نفسه التي سبق وأخبر الأنبياء عنها باعلانات نبوية؟ أما إذا كان موته هو خروج نفسه منه فأننا في هذه الحالة يمكن أن نقول أنه مات الموت الذي يخصنا نحن، أي انه قبل وأحتمل تقسيم الإنسان إلى نفس وجسد، كما سبق وأحتمل ميلادنا الجسداني.