14- فكيف حسب الرب في عداد الموتى وهو في الجحيم؟ انه لم يذهب إلى الجحيم بجسده بل ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية، وذهب وبشر بصورة إنسانيته التي لم تخضع لسلطان الموت، بل غلبت الموت ودحرته، وهكذا كان حاضراً مع الموتى لكي يصور أساس القيامة ويحطم السلاسل التي كانت تربط النفوس الأسيرة في الجحيم. وهكذا أعلن أنه خالق الإنسان ومصوره، والذي حكم على الإنسان بالموت، جاء وبحضوره في الصورة الإنسانية، وبارادته وحده حرر الإنسان من حكم الموت، لأن الموت لم يستطع ان يقوى على نفس المسيح الإنسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها، ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها, ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، إلا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما, لأن كل الذي حدث إنما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها, وأي فكر آخر ذلك فهو ضلال.
أما من يتأمل التعدي الأول والعقوبة التي نُفذت وهي عقوبة مزدوجة, سوف يُدرك معنى ما نقول، فقد قيل للعنصر الأرضي: "تراب أنت والى التراب تعود" (تك3 : 10). وبعد أن صدر حكم الرب بدأ الفساد يدب في الجسد، أما عن النفس فقد قيل لها: "موتاً تموت" (تك2 : 8) وتم هذا بتقسيم الإنسان إلى قسمين، وحُكم عليه بأن يعاني من مكانين؛ القبر والجحيم. وبعد أن أصدر القاضي حكمه، كان هو وحده القادر على أن يُلغي حكمه بنفسه, فظهر في صورة من حكم عليه (آدم). دون أن تكون هذه الصورة تحت حكم الدينونة, بل بلا خطية، وبذلك صالح الله الإنسان، الإنسان كله جسداً ونفساً، وتمت حرية الإنسان بواسطة إنسان, وبتجديد صورة ابنه يسوع المسيح ربنا.
فهل تفهمون أن العقوبة قسمت الإنسان إلى ثلاثة أجزاء, وكان حكماً بأن يذهب إلى ثلاثة أماكن؟ لقد أفتقد الرب القبر والجحيم فما هو المكان الثالث الذي ذهب اليه، وما هو العنصر الثالث الذي كان تحت عبودية الموت. فإذا لم يكن في امكانكم أن تخبروا عن مكان ثالث, لأنه لا يوجد سوى القبر والجحيم, وهما اللذان تحرر منهما الإنسان, لأن المسيح نزل اليهما بصورة حقيقية تشبه صورتنا ولكنها كاملة, فإذا تم هذا بواسطة المسيح فكيف يمكنكم أن تقولوا بعد ذلك أن الله لم يصالح الإنسان كله (جسداً ونفساً). وكيف تجسد المخلص وحل بيننا؟ هل أخذ جزء من الإنسان, أي الجسد فقط؟ وهل هذا يعني انه كان عاجزاً عن أن بخلص النفس, أي يخلص الإنسان كله؟ هل اشمئز من العقل الإنساني لأنه أخطأ, أم انه كان يخاف أن يُخطيء هو أيضا؟ وكيف يخاف وهو الإله الذي إذ تجسد وصار إنسانا استمر في صلاحه وكماله. أن الذين يفكرون بهذا الأسلوب هم بلا شك مملؤون بالكفر.
وكيف تفهمون الطبيعة الإنسانية بشكل سليم وأنتم تعتقدون أن الخطية جزء من تركيبها وتكوينها، وإذا وصلتم إلى هذه النتيجة، أليس هذا هو ذات تجديف المانويين؟.