12- ومما سبق يظهر لنا خطأ كل الذين يقولون أن الابن الذي تألم هو آخر غير الابن الذي لم يتألم، إلا انه لا يجد ابن آخر غير الابن الواحد, وهو بذاته الكلمة الذي عبر الآلام والموت. فهو غير المتغير وغير المتجسد، الكلمة بذاته، قبل أن يولد في الجسد الإنساني أراد أن يكمل كل الأشياء وأراد أن يكون له ذبيحة يقدمها (عب14:1). فالذي قيل أنه صار أعظم من الملائكة، ليس الكلمة خلق الملائكة، لئلا يظن أحد أنه عندما خلق الملائكة كان أقل من الملائكة، وانما الذي "صار" هو "صورة الجسد" التي أخذها الكلمة وجعلها صورته عندما وُلد ميلاداً طبيعيا من العذراء. هذه الصورة هي التي رفعها إلى مرتبة أعظم من مرتبة الميلاد البشري الآدمي الذي يخص آدم الأول، لأنه أتى بهذه الصورة إلى علاقة فائقة ووثيقة، حتى اننا بسبب ذلك قيل عنا نحن "مواطنون مع كل القديسين وأعضاء في بيت الله " (أف2 : 19).
بذلك صار الجسد هو جسد الإله، ليس كمساوي له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة، وانما "صار" معه بالطبيعة جسده, دون أن ينفصل عن اللاهوت بسبب قوة الاتحاد، وظل جسداً من نسل داود وابراهيم وآدم الذين تناسلنا منهم جميعا, ولو كان الجسد مساوي لجوهر الكلمة وأزلياً معه لصار من المحتم عليكم أن تتقدموا خطوة أخرى على طريق ضلالكم وتتفق مع منطقكم وهي: أن تصبح كل الخلائق مساوية في الجوهر لله خالق كل الأشياء. وازاء هذا كيف يمكنكم أن تظلوا مسيحيين، إذا سقطتم هذه السقطة الشنيعة وربطتم بسلاسل هذا الضلال؟
أن المساوي في الجوهر له في الحقيقة ذات صفات الجوهر, أي أنه غير متغير وغير قابل للموت، وهنا لا يجوز الكلام عن الاتحاد، مادام الناسوت مساوياً في الجوهر لأقنوم الكلمة، بل لا يبقى مجال للاتحاد الأقنومي، حيث لا يصح الكلام عن اتحاد اثنين متساويين في الجوهر, لأن اتحادهما هو في الواقع وحدة طيبعية, واذا وصلتم إلى هذه النتيجة فأنتم تقولون بوجود أقنومين في الابن. وهكذا أخترعتم ماتخيلتم انه مقدس ونافع, ولكنه قادكم إلى احتمالين: إما انكم ستضطرون إلى انكار الجسد المولود من العذراء والدة الاله، وإما انكم ستجدفون على الله لأن وحدة جوهر الآب والابن والروح القدس تجعل أي كلام عن آلام الجسد المساوي للثالوث في الجوهر هو اعتراف بأن الثالوث تألم، وبذلك أضفتم رابعاً إلى الثالوث, فأي نقد يمكنكم أن توجهوه بعد ذلك إلى الهراطقة؟ وما هو اللوم الذي يمكن أن توجهوه لنا نحن الذين نؤمن بالثالوث؟ هكذا رغم عنكم قادكم المنطق السقيم وأصبحتم تؤمنون برابع مع الثالوث، عندما جعلتم الجسد مساوياً للكلمة في الجوهر. وهكذا أيضاً صار إيمانكم باطلاً، لأنكم صرتم تفكرون مثل الأريوسيين وسقطتم في ضلالهم ولم تفهموا معنى الكلمات: "الكلمة صار جسداً". والآن علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات: "الكلمة صار جسدا "؟ انه لا يعني أن الكلمة لم يعد الكلمة، وانما يعني أن الكلمة هو دائما الكلمة حتى عندما أتخذ لذاته جسداً, وفيه قبل الآلام والموت, أي في الصورة البشرية، وبها ذهبت إلى ابعد الأماكن, أي القبر والجحيم، وبذلك صار الكلمة الإله سببا لقيامة الأموت، وأعلن بذلك أن له لحماً وعظاماً ونفساً، بإعلان جسده الذي لم ينفصل عنه والذي أخذه كما هو مكتوب: "من نسل داود". فإذا لم تؤمنوا بذلك فأي فرق بينكم وبين مرقيان؟ ألم يقل مرقيان بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل إنساني، وانه لم يكن جسدا حقيقاً؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسداً بشرياً بل له صورة إلهية, وان ملامحه كانت فقط إنسانية, ولكنه لم يكن جسداً بشرياً بل غريباً عن الطبيعة الإنسانية تماماً؟ لقد أخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الارادة, لقد أحدر هؤلاء إلى هذا الكفر فهل أنحدرتم أنتم أيضا إلى هذا الدرج الأسفل.