6- كيف أمكنكم أن تتصوروا أن الجسد غير مخلوق؟ واذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة ألا يعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضاً عديمة الموت، ليس فقط بعد القيامة بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فإذا صح تصوركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات ما دام قد تغير ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الارض؟ وكيف إذا تغير الناسوت وصار غير مخلوق أن يصبح منظوراً، بل كيف أمكن لمسه حسبما هو مكتوب: "الذي لمسته أيدينا من جهة الحياة" (1يو1 : 1). كيف تصرحون بأمور لم تُكتب في الأسفار المقدسة؟ بل كيف تفكرون في أمور لايجوز أن نفكر فيها؟ انكم بهذا الشكل تساعدون الهراطقة على الحصول على براهين وأدلة تشبه التجاديف التي نشرها واحد منهم يدعي رتريوس الذي لا يتجاسر أحد على أن يفكر في تجاديفه المخيفة.
امامكم طريقان لا ثالث لهما، اما أن تنكروا الأسفار المقدسة واما أن تعترفوا بها، وبالتالي لا تفكروا في التفوه بما ليس في الأسفار الالهية، أي كلماتكم التي خداعها يقتل.
لقد انحدرتم إلى ما هو أسوأ بقولكم: "نحن لا نعبد غير المخلوق مع الخالق"، أيها الناس الذين بلا ادراك لماذا تقولون هذه العبارات، ولماذا تتصورون أن جسد ربنا رغم أنه مخلوق تقدم له عبادة على انفراد, وأنه يمكن أن تقدم هذه العبادة لأي مخلوق آخر؟ لقد اتحد الجسد بالكلمة غير المخلوق وصار معه واحداً، أليس إليه هو الواحد بعينه نقدم له الطلبات والصلوات؟ اننا بكل حق نعبده، لأن الكلمة تجسد وصار جسده هو جسد الله الكلمة، ولكننا لا نعبد الناسوت دون اللاهوت أو اللاهوت دون الناسوت، وهذا ظاهر من تصرفات الرب نفسه، لأن النساء أقتربن منه فقال لهن: "لا تلمسيني لأنني لم أصعد إلى الآب" (يو20 :17) معلناً بذلك أن صعوده أمر حتمي لأنه سيحمل جسده ويقدمه للآب، إلا أنهن أقتربن وامسكن بقدمه وسجدن له (مت20 : 17). وعندما أمسكن بقدميه فقد سجدن له كإله متجسد، دون فصل اللاهوت عن الناسوت. وفي موضع آخر قال الرب: "جسوني وأنظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو24 : 39). ومع أنه بالحقيقة روح لأن "الله روح" (يو4 : 24). إلا انه عندما قال بأن له لحماً وعظاماً أراهم لحمه وعظامه. وكيف قال: "الروح ليس له لحم وعظام" وأضاف: "كما ترون لي؟", لم يقل أنه هو "لحم وعظام". وقد قال ذلك لكي يعلمنا أن طبيعة الروح لا تُلمس بينما يُلمس جسده مثلما نلمس نحن أجسادنا، لأن جسده الذي أخذه من العذراء مثل أجسادنا لم يخلقه بقوته الذاتية بدون العذراء، بل تكون في أحشاء العذراء ووُلد ولادة إنسانية طبيعية، فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته. وهكذا أيضاً تم الموت ومات الجسد موتاً طبيعياً في الوقت الذي كان الكلمة فيه ويمسكه بارادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو18:10) فتألم طبيعياً ومات طبيعياً عوضاً عنا، ولكنه قام لأجلنا الهياً. وهكذا كل ما عمله منذ البشارة إلى الموت، انما كان يهدف إلى هدف واحد وهو أن يخلصنا ويعيدنا اليه.