83. هذه هي كلمات أنطونيوس، ويجب أن لا نشك في إمكانية حدوث مثل هذه العجائب علي يد إنسان، فهذا هو وعد المخلص عندما قال "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا فينتقل، ولا يكون شئ غير ممكن لديكم[134]، وأيضا "الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الأب باسمي يعطيكم، اطلبوا تجدوا" [135] وهو نفسه الذى قال لتلاميذه ولكل من يؤمنون به "أشفوا المرضى أخرجوا شياطين مجانا أخذتم مجاناً أعطوا"[136]
84. وعلى آي حال فإن أنطونيوس لم يشف المرضى بإعطاء الأمر بل بالصلاة والنطق باسم المسيح، ولذا فقد كان واضحا للجميع أنه لم يكن هو الذى يعمل بل الرب الذى أظهر رحمة علي يديه، وشفى المتألمين، أما نصيب أنطونيوس فكان الصلاة والنسك، اللذين من أجلهما لبث فى الجبل، فرحاً بالتأمل في الإلهيات، وحزينا عندما كانت تجهده كثره الجماهير، مما كان يضطره للانسحاب إلى الجبل الخارجي. فطالما ألح عليه كل القضاة أن ينزل إليهم، لأنه كان مستحيلا عليهم الدخول بسبب المتقاضين الذين يتبعونهم، لذلك طلبوا منه أن يأتى إليهم ليروه ، وعندما رفض الذهاب إليهم ظلوا ثابتين، وأرسلوا إليه الأسرى تحت حراسة الجند، لعله ينزل من أجل هؤلاء. وإذ كانت تضغط عليه الضرورة ورآهم ينتحبون دخل الجبل الخارجي، ولم يصبح تعبه بلا جدوى، لأن مجيئه كان نافعا للكثيرين، وللقضاة أنفسهم، إذ نصحهم ليفضلوا العدل علي كل شئ، ويخافوا الله، ويعرفوا أنه بالدينونة التى بها يدينون يدانون[137]. أما هو فأحب إقامته في الجبل أكثر من كل شئ.