فالصليب هو يوم قضاء ودينونة وميزان عدل
وقوة الله للخلاص أعلنه لنا بولس الحكيم الذي صار له دراية بسرّ المسيح حسب العطية التي نالها ليُقدم الشرح الوافي لعمل المسيح الخلاصي من جهة الخبرة، وعلينا أن نركز فيه لكي يكون إيماننا بالمسيح الرب صحيحاً كاملاً لندخل في سرّ الخلاص والفداء المفرح للنفس وناقلها من الموت للحياة، لأن في باطنه قوة شفاء حقيقية لكل إنسان يؤمن؛ وبالطبع سيندهش الكثيرون أني أتكلم عن الدينونة في الصليب، مع أنها مرفوضه عند كثيرين بسبب المفهوم المشوه الذي يُعلِّم به البعض عن العِقاب والدينونة والانتقام الإلهي، لكن الرب لم يأتي ليُدين الإنسان بل لكي يُخلِّصه، كما أنه أيضاً لم يُبرر الإنسان بطريقة سحرية أو أخرجه خارج الدينونة بمجرد كلمات منطوقة ولا بألفاظ ومعاني عميقة، لأن – في تلك الحالة – ما هو الضمان الذي يجعل الإنسان لا يعود يُرفض ويُعزل من الحضرة الإلهية، لذلك خلصنا بعمل ظاهر فعلي حقيقي واقعي، لأنه حقق الدينونة فعلياً وتممها بكاملها وأوفاها، فأفرغها من كل قوة فيها وأزال سلطانها تماماً على البشرية، فلم يعد لكل من يؤمن به وينال الطبيعة الجديدة أي دينونة، لذلك قال الرسول عن جدارة وواقع حقيقي وليس نظري: إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ (رومية 8: 1)، لأن الإنسان الذي يعيش على مستوى الجسد الحامل الموت، من جهة إنسانيته الملعونة (الإنسان العتيق)، أي المنعزلة والمنفية بعيداً عن الله، يدخل في صراخ موجع: "من ينقذني من جسد هذا الموت"، لأنه لا يستطيع أن يسمع صوت الحياة أو يرى نور بهاء المجد الفائق الذي للألوهة، لأنه لا يستطيع الرؤيا بكونه ظلمة، فكيف للظلمة أن تدخل للنور، لأنها ستتلاشى وتتبدد للتو، لأن من منا يستطيع أن ينظر لنور شمس النهار المخلوقة ويتفحصها، فكم يكون النظر لنور بهاء مجد الله الحي الغير مخلوق، لذلك حينما طلب موسى أن يرى بهاء المجد الفائق الذي للألوهة قال له الرب: [لا يراني إنسان ويعيش].