توبتنا

طبيعياً ونحن متورطين في عمق الخطية المُدمرة وحب اللذة لا نقدر ولا نستطيع أن نسمع الصوت الإلهي الذي يُنادينا بالرحمة والمحبة، لأننا في تلك الحالة نكون كالمغيبين من كثرة شرب الخمر، منغمسين في حياة الجسد، تائهين عن البرّ وليس لدينا تقوى، وآذاننا منغلقة تماماً عن الصوت الحسي الذي لله الحي، منفتحة على رغبات شهوات النفس بشكل عظيم مثل الجائع الذي يتلوى من الجوع ولا يهدأ أو يرتاح إلا عندما يأكل ويشبع.
لذلك عادةً لا نحس بكل ما هو روحي،
لأن الإنسان الطبيعي المنغمس في اللذة الحسية وله أحلام ورغبات تتعلق بكل ما هو تُرابي زائل، عنده جهالة بكونه ميتاً عن الحياة، لا يستطيع أن يستوعب غنى النعمة المُخلِّصة، بل ولا يهتم بالله كشخص حي وحضور مُحيي، لأن الخطية والاعتياد عليها يجعل الإنسان في حالة لا مبالاة أو اهتمام بالأبدية، لأنه مصاب بعمى شديد يجعله يرى كل شيء عكس حاله، بمعنى انه يرى كل شيء صالح كأنه غريب عنه فيراه ساذجاً بلا قيمة، فيُضحكه ويسخر منه، وكل ما هو شرّ وفساد وحرام يراه صالحاً ونافعاً بل ومحبباً لقلبه بكونه صار كنزه وموضوع مسرته، لأن حيثما يكون الكنز هناك يكون القلب (متى 6: 21).
ولذلك ونحن على هذا الحال لا نستطيع أن نفكر يوماً في حياة البرّ والتقوى والرجوع لله الحي،
أو حتى الإصغاء والاستماع لأي شيء ينبهنا ويوقظنا من غفلتنا، لذلك يفتقدنا الله بنفسه ويتعامل معنا أولاً من بعيد ثم من قريب، أحياناً في حلم وأحياناً في مواقف وشدائد معينة يُظهر يده المعتزة بالقوة، وبالطبع ما أكثر الطرق التي يستخدمها الله معنا ولا نستطيع ان نحصرها ولكنها ليست موضوعنا الآن، ولكن – عموماً – أكثر وقت نحس به ونستشعر حضوره واقترابه منا جداً، حينما نقع في حالة حزن مُدمر للنفس بسبب فقدان عزيز لدينا أو بسبب مشاكل الخطية التي تورطنا فيها بشكل مؤلم للغاية، لأن باطنها مملوء موت، أي لعنة وغضب، شدة وضيق ظلام الموت الأبدي، لأنها تحمل كل غضب إلهي لأنه معلن فيها، وذلك بكونها تحمل سم الحية القديمة المُميت للإنسان.