إنطلقت تجرى و هى تلوح فى الهواء بكفيها و تلملم بقايا خلقاتها المبعثرة لتستر عريها
, تضرب الأرض بقدميها الهاربتين المرتعشتين , فتوقظ التراب الساكن
, و تنتهك السكون الحالك ..
تركض فى الظلام زائغة العينين , تتلفت خلفها فى هذيان موحش
, تلهث بأنفاس متقطعة , متلاحقة مرتجفة
تبحث عن ظل يأويها , و تترجى شقوق الأرض أن تبتلعها و تُخفيها ...
بينما العيون تتلصص عليها من خلف النوافذ المتهالكة ..
الجموع تركض خلفها و دوى صرخاتهم يلاحقها ,, يتعالى صوت نباحهم
و يسيل اللعاب من نصول أنيابهم , استعدادا للنهش , كل الأصابع تشير عليها
, وكل الشفاه تصرخ باسمها ..
"" نعم إنها هى الزانية , هى المجرمة إرجموها كما اوصانا موسى
, إقتلوها و إغسلوا عارها بدمها , خلصوا العالم من شرها
, انقذوا البشرية من فعلتها , طهروا أنفسكم من زناها و لعنتها ,
مدينتنا مقدسة لا يسكنها الزناة و الخطاة , و جميعنا أبرار , تتدلى منا اللحى على الصدور ..
_ يقذفونها بألسنتهم و بحجارتهم ..
و هى مازالت تجرى مضطربة تتساقط و تقوم عشرات المرات
و كأن الأرض تُعاندها و تُخفى الندوب و الحفر لتوقعها ..
فتتعثر هذة المّرة وتخور و تتكعور فى رعبها ,, وتقع صريعة تحت أقدامهم ,و فريسة تتخاطفها أياديهم , .
. و هى تتوسل و تسترحم بدموعها المرتجفة لقلوب أضحت كالقبور الموحشه .يفوح منها العفن و الموت ..
يكبلونها و يسوقونها اليه و يقيمونها فى الوسط كذبيحة يفرغون عليها مقتهم و غضبهم و قسوتهم و شرورهم ...يكبشون بأياديهم الحجارة و يسنون ألسنتهم بالادانة فهم الشيوخ و الرؤساء و الكتبة و الفرسيون الابرار ,
يتخذون منها حجة عليه
تارة بالتبجح و التثعلب فى مكر و خبث , و تارة بالمسكنة و التندر و الحيلة
"انه المعلم العارف بالحق و الناموس و الشريعة فلن يحيد عنهم..
قالوا له "أحكم يا معلم هذة المرأة أُمسكت فى ذات الفعل , و موسى اوصانا أن ترجم , فماذا تقول انت ؟"
أما هو فإنحنى ليخط باصبعه على التراب ,, كتب و دفن ما قد كتبه كى لا نعرفه نحن
فمازال يستر و لا يفضح , مازال يغفر و لا يدين , مازال يداوى و يصفح
ثم قام و وقف فى وجههم كالشلال الهادر فروّع قلوبهم قائلا " من كان منكم بلا خطيه فليرمها بحجر "
حدث ضمائرهم فوخزنهم و أنبتهم كمناخس فى الروح ..
وفجأة كان الصوت الوحيد الذى يُسمع فى المكان هو صوت إرتطام الأحجار بالأرض
و تبعتها أصوات أقدامهم و هى تهرول مسرعه بالخروج ....
و بقيت المرأة وحدها ماتزال فى الوسط يتدلى شعرها على وجهها مبتلا بعرقها و خزيها
,, لا ترفع عينيها و لا تدافع عن نفسها بكلمة
أما هو فى وداعة و تحنن قال لها "" اذهبى و لا تخطئى ايضاً "
نعم فقط كانت كلماته هى البلسم الشاف للعار و الخطية ,
جمع بلطفه فتات قلبها المكسور و المفضوح . عافى نفسها المشتتة المسكينة
وهبها الصفح و الغفران , فخرجت مُطهرة ، مبررة و مخلوقه من جديد !