الموضوع: تكريس القلب
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 18 - 06 - 2018, 04:59 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,348,807

تابع ثالثاً: يا ابني اعطيني قلبك - تكريس القلب
التكريس وملكوت الله

في الواقع المسياني حسب النبوات فأنه يأتي الملك المسيا لإعلان المُلك الإلهي، وقد قال الله لداود عن الملك الآتي الذي يمثله ابنه سُليمان: [ويكون متى كملت أيامك لتذهب مع آبائك إني أُقيم بعدك، نسلك الذي يكون من بنيك وأُثبت مملكته. هو يبني لي بيتاً وأنا أُثبت كرسيه إلى الأبد. أنا أكون لهُ أباً وهو يكون لي ابناً، ولا انزع رحمتي عنه كما نزعتها عن الذي كان قبلك. وأُقيمه في بيتي وملكوتي إلى الأبد ويكون كرسيه ثابتاً إلى الأبد. فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلم ناثان (النبي) داود. (1أخبار 17: 12 – 15)]
+ كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ מַלְכוּ [(mal-koo')kingdom؛ ومعناها مُلكه وسيادته وسلطانه – أو مجال مُلكه واتساع سلطانه] مَا لاَ يَنْقَرِضُ. (دانيال 7: 13 – 14)
(بالطبع النبوات كثيرة جداً عن ملكوت الله ومن الصعوبة أن نضعها كلها لأنها تحتاج موضوع منفرد، ولكن اكتفيت بهذا المثال)

فالله بطبيعته يملك على العالم لأنه مصدر وجوده وخلقته، ولكن العالم سقط ورفض ملك الله، وهذا تمثل في شعب إسرائيل حينما طالب بملك بشري يملك عليهم مثل باقي الأمم والشعوب المُحيطة به [فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ] (1صموئيل 8: 7)
لذلك فأن الوعد الإلهي أنه يُقيم مملكة أُخرى جديدة

لخليقة جديدة حسب مسرة قلبه، وهي خليقة سماوية تخص المسيا الآتي [بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: "أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً؛ ولا يتنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم، بل أُخلصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا وأُطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً" (إرميا 31: 33؛ حزقيال 37: 23)]، إذ يكون هو المالك على النفوس ومطهر القلوب والرئيس بل والرأس الذي لها، وهي مملكة لا تنقرض أو تزول أو تأثر فيها خطية أو ضعف إنساني، لأن الشرير لا يستطيع أن يمسها من الداخل، بل يعاكسها فقط خارجياً، لأن لها طابع خاص سماوي تم تحقيقه في شخص المسيح الرب الذي صار بكر الخليقة الجديدة ورأسها الصالح الذي يستحيل أن يفسد إطلاقاً، لذلك مكتوب: كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. (أفسس 5: 25 – 27)
ففي العهد الجديد ومع ظهور المسيا

فقد ظهر ملكوت الله وبره حسب النبوات، ومن هنا بدأت ولادة الخليقة الجديدة الشعب الملوكي [وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ (1بطرس 2: 9)]، وهؤلاء هم الذين يملك عليهم الله سراً، لأنه يملك على قلبهم من الداخل، ولذلك فأن تكريس القلب مرتبط ارتباط وثيق بملكوت الله، لذلك تم شرح أن بداية التكريس هو التوبة والإيمان بالإنجيل لكي يملك الله على القلب، إذ ينقل ملكوته للنفوس التي آمنت به.
ويقول القديس مقاريوس الكبير:

[وكما أن الرب اتخذ لذاته جسداً ورفعه وأجلسه في الأعالي عن يمين العظمة، هكذا الآن أيضاً فهو ينقل إلى ملكوته النفوس التي آمنت به واستحقت مكافأة الله، فهو يلدها من فوق من روحه الخاص، كما يقول الرب: "من آمن بي فقد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). فالمؤمنون في الحق، بالرغم من أنهم يقيمون على الأرض، إلاَّ أنهم يخدمون الرب في أعلى السماوات، والرب الجالس في الأعالي على عرش عظمته (عبرانيين 1: 3) يستريح أسفل في أرواح القديسين التي هي بمثابة عروش له، لأنهم هم أعضاءه وجسده (1كورنثوس 12: 27) وملء كنيسة القديسين، وهو رأس الكنيسة (أفسس 1: 22)
وكما أن في الجسد كله ليس إلا نفس واحدة، وكل عضو من أعضاء الجسد يكون منقاداً بواسطة تلك النفس الواحدة، هكذا أيضاً جميع القديسين يحيون بالروح الإلهي ويُقتادون بواسطته وكل عضو منهم يحيا في اتحاد مع الله] (عن كُتيب ميلاد المخلص ترجمة: ريمون يوسف رزق، إعداد ونشر أسرة القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس عامود الدين ص 24، 25 الطبعة الأولى – نوفمبر 2007)
لذلك نحن أولاً نسمع دعوة المسيح الرب

في بداية الإنجيل [قد كمل الزمان (زمان الوعد – أي أتى ملء الزمان حسب التدبير) واقترب ملكوت الله [βασιλεία τοῦ Θεοῦ] فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (مرقس 1: 15)]، وبعد ذلك نسمع الرب يقول للفريسين الذين سألوه متى يأتي ملكوت الله: [لا يأتي ملكوت الله بمراقبة، ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك، لأن ها ملكوت الله داخلكم (لوقا 17: 20، 21)]، ونرى بعد ذلك توضيح لنوعية الصلاة [فلا تهتموا (أو حسب الترجمة الأدق: فَلاَ تَحْمِلُوا الْهَمَّ) قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس. فأن هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره (متى 6: 31 – 33)] وصارت الصلاة الرسمية للمؤمنين الذي علمها الرب للتلاميذ كالآتي: [أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض (لوقا 11: 2)]
وهنا ظاهر جداً مراحل التكريس (ما قبل التكريس، التكريس، ما بعد التكريس) وفي هذا يظهر نوعية الصلاة نفسها وما هو عمل الله وعمل الإنسان، كفعل ورد فعل من جهة العمل والسلوك، لذلك علينا الآن أن نلاحظ حركة ملكوت الله في النفس البداية والطلب والانتقال للداخل كاستجابة:

(1) اقترب ملكوت الله: فتوبوا وآمنوا بالإنجيل.
(2) اطلبوا أولاً: ملكوت الله وبره.
(3) لا يقولون هوذا هنا أو هناك: ها ملكوت الله في داخلكم.

فما قبل التكريس،

كنا بعدين عن الله تائهين، هيكل جسدنا ظلمة وقلبنا مشوه بالذنوب والآثام، والمكان كله قفراً ليس فيه روح ولا حياة، لأننا كلنا جالسين في كورة ظلال الموت وقلبنا مدفون في قبر الشهوة [لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضاً قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً (تيطس 3: 3)]، ونداء المسيح لنا (كصوت قوة) كان باقتراب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل [صَوْتُ الرَّبِّ بِالْقُوَّةِ. صَوْتُ الرَّبِّ بِالْجَلاَلِ؛ لِلرَّاكِبِ عَلَى سَمَاءِ السَّمَاوَاتِ الْقَدِيمَةِ. هُوَذَا يُعْطِي صَوْتَهُ صَوْتَ قُوَّةٍ؛ اَلْحَقَّ، الْحَقَّ، أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ (مزمور 29: 4؛ 68: 33؛ يوحنا 5: 25)].
والتوبة والإيمان بالإنجيل (كنداء المسيح الخاص الذي بندائه أقام لعازر) جعلنا ندخل في قوة البرّ،

ولذلك نجد قوة دافعه تجعلنا تلقائياً نسعى في طلب ملكوت الله وبره لأننا حينما تقدمنا بالتوبة وآمنا بمسيح القيامة والحياة، تطهرنا بدم حمل الله رافع خطية العالم [ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح؛ فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي (أفسس 2: 13؛ عبرانيين 9: 14)]، والخدمة هنا خدمة ملوكية، لأننا نخدم الملك السماوي القدوس الكامل، أي أننا بعدما كنا عبيداً للخطية صرنا عبيداً لله:
+ فقال لهم (لليهود) أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم. فقلت لكم إنكم تموتون في خطاياكم لأنكم أن لم تؤمنوا إني أنا هوَّ تموتون في خطاياكم، الحق، الحق، أقول لكم، أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية، والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد، فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً؛ كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً والخطية هي التعدي، من يفعل الخطية فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس، فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها؛ وأما الآن إذ أُعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية. (يوحنا 8: 23، 24، 34 – 36؛ 1يوحنا 3: 4، 8؛ رومية 6: 17؛ 22)

فالإنسان يا إما يكون منعزلاً عن الملك السماوي، ملكوت المسيح ابن محبة الآب، ويحيا عبداً للخطية تحت سلطان الموت الأبدي، أو يدخل في سرّ ملكوت الله ويخدم الله الحي بالتقوى والبرّ ويصير عبداً ليسوع المسيح يحيا في حرية البنين، لأن حيثما يوجد ملكوت الله يوجد روح الحرية والمجد وفرح الحياة الأبدية.، وخدمة المصالحة [إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ (2كورنثوس 5: 20)]
لذلك حينما نطلب ملكوت الله،

مقدمين قلبنا الذي تطهر بدم المسيح فأنه يأتينا ويُقيم داخلنا لأن المكان صار لائقاً به بسبب دم حمل الله رافع خطية العالم، فملكوت الله يعني مُلك الله وسيادته وسكناه وإقامته فينا، فالله هنا – في هذه الحالة – يملك إلى الأبد، بمعنى أن الإنسان صار أرضاً للاهوت، مدينة الله الحي الذي يملك عليها إلى الأبد، فالتقدمة هنا تقدمة القلب: أعطني قلبك، والقلب يصير عرش الله وبالتالي فأنه يقود النفس بحسب تدبير ملكوته الخاص لتحقيق وعد الحياة الأبدية [لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ (لوقا 12: 32)]، بمعنى إني أكرس قلبي ليصير كرسي خاص للملك السماوي ليجلس ويرتاح عليه، أي أصير موضع راحته، وهو نفسه وبشخصه يصير راحتي إلى الأبد، وهذا هو التكريس القلبي في أصالة معناه الحقيقي حسب كلمة الله الصادقة.
وحينما يتم التكريس ويملك الله الذي صار داخلنا،

فأننا نسعى لكمال مُلكه السماوي من هنا ونحن على الأرض، لذلك نجد في الصلاة الربانية الملوكية شرح لموضوعنا كله باختصار شديد، فلو دققنا سنجد فيها الأبوة والبنوة لأننا نُنادي الآب: [أبانا] بصفتنا صرنا بنين بالمسيح يسوع ربنا الذي تجسد وتأنس وشابهنا في كل شيء وصار بكراً لنا كرأس للخليقة الجديدة يُقدمنا في بنوته للآب بكونه تبنانا فيه حسب مسرة مشيئته، ولذلك نُصلي طالبين تقديس اسمه ليأتي ملكوته، وتقديس اسم الله هنا فينا احنا، يعني يتقدس اسمه فينا (لأنه مصدر القداسة) لكي يثبت تكريسنا، أي أن اسمه هنا ختم التثبيت، محققاً ومجسداً فينا ملكوته في كل مرة نصلي فيها نفس ذات الصلاة عينها بقلب شغوف، لأننا نحيا وملكوته في داخلنا، ونريد أن يثبته فينا يوماً بعد يوم ويزيدنا تكريساً وقداسه، لذلك نقول بعد هذه العبارة مباشرة: لتكن مشيئتك كما هي في السماء (حسب تدبيرك وقصدك من جهة مُلكك) كذلك تتم على الأرض في كمالها، ونحن نصلي هذا لأننا في انتظار استعلان الملك النهائي في المجيء الثاني وهذا ما سوف نشرحه في عبارة ولتلاحظ عيناك طُرقي في باقي الآية التي نحن بصددها منذ بداية الموضوع: [يا ابني اعطيني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي]
رد مع اقتباس