30 - 05 - 2018, 02:01 PM
|
رقم المشاركة : ( 3 )
|
† Admin Woman †
|
رد: تكريس القلب
ثالثاً: يا ابني اعطيني قلبك – تكريس القلب (تمهيد)
بعد لما تعرفنا على معنى الكلمة في الكتاب المقدس ومفهومها العام، علينا أن نشرح المعنى من الناحية العملية لكي تصير خبرة واقعية في حياتنا الشخصية، مع العلم بأن تكريس القلب ليس بالأمر الصعب لأنه قائم ومبني على أساس عمل إلهي بالدرجة الأولى، لأن الإنسان بطبعه الساقط ضعيف من جهة الأعمال الروحية، فهو لا يستطيع أن يرتفع من ذاته للحضرة الإلهية لأنه غير طاهر، لأن الله هو العالي أعلى من العلويين، لا يُطال ولا من الملائكة، لأن ليس هُناك شيئاً طاهراً في ذاته أمام طُهره المُطلق.
فأن كان كل القوات الروحية السماوية النقية لا تستطيع
أن ترتقي فوق ما ينبغي وتقف أمام الله باستحقاق الطُهر الذي فيها، فكيف يكون الإنسان الساقط أمام هذا العلو الفائق الذي يفوق الطبيعة المخلوقة كلها، لأنه مهما ما فعل وقدم من أعمال تقوى أو أعمال ناموس كاملة، فأنه بالكاد يستطيع أن يتطهر خارجياً، ولكن هذا التطهير ناقص، لا يُكافئ المجد الفائق الذي للطبيعة الإلهية النورانية الكاملة الطُهر، لذلك يظل يتطهر مراراً وتكراراً من جهة الجسد، ومع ذلك لن يقدر أن يصل للحضرة الإلهية أو يستحق أن يتواجد فيها، لأنه لن يحتمل مجد بهاء حضور الله.
+ فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ
وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ»؛ لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ، لاَ يَقْدِرُ أَبَداً بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ كُلَّ سَنَةٍ، الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، أَنْ يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ. وَإِلاَّ، أَفَمَا زَالَتْ تُقَدَّمُ؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْخَادِمِينَ، وَهُمْ مُطَهَّرُونَ مَرَّةً، لاَ يَكُونُ لَهُمْ أَيْضاً ضَمِيرُ خَطَايَا. لَكِنْ فِيهَا كُلَّ سَنَةٍ ذِكْرُ خَطَايَا. لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا. لِذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلَكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». إِذْ يَقُولُ آنِفاً (سابقاً): «إِنَّكَ ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً وَمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُرِدْ وَلاَ سُرِرْتَ بِهَا». الَّتِي تُقَدَّمُ حَسَبَ النَّامُوسِ. ثُمَّ قَالَ: «هَئَنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ. فَبِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراَ ثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. وَأَمَّا هَذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، (إشعياء 6: 5؛ عبرانيين 10: 1 – 12)
لذلك علينا الآن أن نعود للآية الأساسية التي بدئنا بها الموضوع:
يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي (أمثال 23: 26) فهذه الآية مفتاح طريق التكريس الحقيقي، لأن كما تعرفنا على معنى التكريس هو التخصيص، والتخصيص فيه عطاء، والعطاء عبارة عن تقدمة، لأن مثلاً لو أحببنا أن نكرس مكانٍ ما لله، فأننا نطهر المكان أولاً بالغسل، أي نُهيئه أولاً، لكي نُقدمه لله وهو على أكمل وجه وفي كمال زينته، أي في حالة من الكمال اللائق لكي نكرسه، أي نخصصه ونُعطيه لهُ ليصير أمامه هيكلاً مقبولاً مكرساً خاصاً بالرب وحده ليحل فيه كمكان خاص لائقاً به.
فمعنى أعطني قلبك،
الفعل (أعطني) في اللغة العبرية [נָתַן ويُنطق (naw-than')] ويعني [عَيّن – إعْطاء وإهْدَاء – سَلَّمَ – خصص – والمعنى يحمل أيضاً عند بعض الشراح أعطى بتصميم]
أعطني قلبك = [قدم قلبك إليَّ = ضعه أمامي = سلمه إليَّ بالكامل ليكون لي أنا = أملك على قلبك]، وعند تقديم القلب (رفعنا إليك قلوبنا يا رب) يتم فحصه (امتحان أصالته) بالنار الإلهية، فإذا وجد كاملاً يحدث التقديس، أي يصير قدساً للرب، فيمتلئ من مجده كفعل عمل إلهي داخلي، أو كاستجابة لعطاء القلب للرب بالكمال فأنه يُقدسه بنفسه، أي يصير مقراً لحضوره الخاص فيتقدس للرب ومجده يملأه، فيصير كله نور مجد الرب، وذلك كما كان يملأ المسكن في العهد القديم كما رأينا في سفر الملوك الأول [لأن مجد الرب ملأ بيت الرب]، لأن التكريس والتقديس عملان متلازمان معاً: [تكريس أي تخصيص للرب، أي تقدمة للرب والنتيجة هي: تقديس بنور وجه الرب = الرب هو الله وقد أنار لنا (مزمور 118: 27)]
قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ؛ وَإِذَا بِمَجْدِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ؛ نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ، هُوَ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَصِدِّيقٌ؛ اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ؛ لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (إشعياء 60: 1؛ حزقيال 43: 2؛ مزمور 112: 4؛ إشعياء 9: 2؛ 2كورنثوس 4: 6)
وعلينا أن نعي أن في التكريس هناك فعلان يُلازمانه،
الفعل الأول، فعل [التقدمة] نفسه وهو عمل جاد واعي فيه طهارة ونقاوة قلب وسرور (المعطي بسرور – يُسر بالعطاء لله عن حب).
والفعل الثانيهو فعل [القبول]، لأن عند فحص التقدمة وجدت مقبولة لأنها صالحة بكونها بلا عيب حسب مقاييس الله لا الناس، وهذا واضح جداً في كل التقدمات التي كانت في العهد القديم، فعند فحصها إذا وجدت بلا عيب تُقدَّم على مذبح الرب فتُقبل أمامه، ويعلن عن قبولها بالرضا والمسرة، ومعظم علامات القبول تكون بالنار أو النور: وخرجت نار من عند الرب وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم فرأى جميع الشعب وهتفوا وسقطوا على وجوههم (لاويين 9: 24)، ولذلك يقول بعض الآباء المحنكين الواعين لتكريس القلب، اننا صرنا هيكل لله الحي وقلبنا هو المذبح الذي نُصعد عليه (حسب مشيئته) تقدمات طاهرة للرب إلهنا بفعل محبتنا نحوه، وحينما تُقبل فأن ناره (نار المحبة الإلهية) تحل على مذبح القلب وتحرق التقدمة لتصير رائحة سرور أمامه لأنها للرضا، ومن هنا تأتي استجابة الصلوات المرفوعة على المذبح المقدس الذي للرب وهو (القلب المكرس).
عموماً علينا أن ننتبه للتقدمة الصالحة المقبولة،
لأن هناك تقدمة تُقبل وأُخرى تُرفض، فأن نظرنا لكلمة الله فأننا نجد أن أول تقدمه نجدها في الكتاب المقدس وتوضح لنا بأي شكل وعلى أي صورة تكون التقدمة، هي تقدمة هابيل وقايين، فواحدة قبلت لأنها بقلب صادق طاهر مؤمن بالله ويتقيه، والأُخرى رُفضت لأن القلب من الداخل شريراً وليس قلباً شاكراً ولا موقراً لله [لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي (رومية 1: 21)]، فالنية غير صافية لأن القلب معوج، لأن هناك كانت خطية رابضة لم يتم التطهير منها قبل التقدمة [بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ؛ لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ؛ اِقْتَرِبُوا إِلَى اللَّهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ (عبرانيين 11: 4؛ 1يوحنا 3: 12؛ يعقوب 4: 8)]
ومن هنا نستطيع أن نستوعب نوعية التقدمة التي يُريدها الله
من الإنسان لكي تكون مقبولة أمامه، وهي أن تكون بالإيمان الصادق الظاهر في العمل نفسه، لأن التقدمة السليمة تأتي من عمل الإيمان الظاهر في تواضع القلب والمحبة، اللذان يسبقهما التوبة بالطبع، لأن بدون توبة لن يوجد إيمان صادق، وبدون إيمان يستحيل يكون هناك برّ، لأن برّ الله بالإيمان، وبدون برّ مستحيل يكون هناك تقدمة مقبولة تحت أي بند أو شرط مهما ما عمل الإنسان، لأن نبعها لا يتوافق أبداً مع متطلبات الله، لأن الله طالب التوبة وطاعة الإيمان كشرط لقبول التقدمة.
+ احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله، فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال، لأنهم لا يُبالون بفعل الشر؛ فقال صموئيل (لشاول الملك) هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والاصغاء أفضل من شحم الكباش؛ بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي؛ فقال (الله لإبراهيم) خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب إلى أرض المُريا واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك. فبكر (في حالة طاعة إيمان كاملة) إبراهيم صباحاً وشد على حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه واسحق ابنه وشقق حطباً لمحرقة وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له الله؛ فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله، بنى هُناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط اسحق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب.. وقال (الله لإبراهيم) بذاتي أقسمت يقول الرب إني من أجل إنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك. أُباركك مباركة وأُكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر ويرث نسلك باب أعدائه. ويتبارك في نسلك جميع أُمم الأرض من أجل إنك سمعت لقولي. (جامعة 5: 1؛ 1صموئيل 15: 22؛ عبرانيين 11: 8؛ تكوين 22: 2، 3، 9، 15 – 18)
بنو الحكمة جماعة الصديقين وذريتهم أهل الطاعة والمحبة؛ الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم (سيراخ 3: 1؛ رومية 1: 5)
|
|
|
|