عرض مشاركة واحدة
قديم 19 - 07 - 2012, 08:12 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة

العظة الرابعة عشرة

«إن كان أحـدٌ لا يثبـت فيَّ يُطـرَح خارجًا كالغصـن
فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق» (يو15: 6)

حينما تكلمتُ مع صديق ووجدتُ أنه لا يرغب في تقبُّل كلمة الحق قلتُ له: "لماذا تتهم الله الذي هو الحق"؟ وأنا أقارنه بنجار وخزّاف، أما الأخشاب التي لا تصلح لعمل النجار فتستحق أن تُلقى في النار، أي أن الناس الذين لا يستحقون ملكوت السموات يستحقون نار جهنم. لأنه إن كان الله ممجَّدًا في الأتقياء، فهو أيضًا ممجَّدٌ في الأشرار. ألم تسمع أن الرب تمجّد بواسطة فرعون؟ ألم يُظهر برّه عندما جعل شعبه يعبر البحر الأحمر ثم أغرق فرعون وكل من معه؟ كما أنه تمجد بإنقاذ لوط وبنتيه من هلاك سدوم وعمورة، وأظهر قوته بأن أحرق سكانهما. وقد تمجد بإنقاذ الثلاثة فتية القديسين من أتون النار الذي أشعله الملك نبوخذ نصر، كما أظهر قوته في أن النار التهمت خدام الملك. هكذا أيضًا تمجّد بخلاص دانيال النبي إذ جعل الأسود لا تضرّه، بل أضرّت الذين اتهموه فمزقتهم وافترستهم لكي تظهر قوته. وهل إذا جعل الجحيم يبتلعهم في اليوم الأخير مع كل الذين نصحوهم بالعنف لا تظهر قوته فيهم؟ ففي أي شيء لا يتمجّد السيد؟ إنه يتمجّد وهو يضرب ويتمجد وهو يشفي، يُظهر قوته وهو يُحيي وقوته وهو يُميت. إنه يتمجّد وهو يجمع الحبوب في مخازنه ويُظهر قوته وهو يحرق القش. إنه يتمجد في كل ما يفعله منذ الأزل وبرّه عظيم في كل ما سوف يعمل ..!


قلتُ مرةً أخرى إنه إذا رغب الرؤساء وأحبوا الحق لاستطاعوا أن يصبحوا أغنياء في الأعمال الصالحة في سنة واحدة وفي جولة واحدة في البلد، لأن لهم القدرة على إجراء الحكم وعلى مساعدة من هم في خطر. أما إذا كان هؤلاء الرؤساء مهملين، فسيُفسدون ما هو أكثر قيمةً من الذهب أو الفضة أو العالم بكل ما فيه. وحقًا ما هي منفعة الأموال؟ لقد قلتُ في قلبي إنه إذا كان الرؤساء يجدون ما يبحثون عنه، أي الذهب، فإنهم يودّون لو قطعوا جميع أشجار البلد الذي ذهبوا إليه وجعلوها صحراء.


لا تنظروا إلى طريقتي في الكلام الذي أوجّهه لكم وتغتاظون أيها القادرون، ولكن فكروا في حكم الله وسوف تعلمون أن هذه الأمور ليست مستقيمة. إن كان الذي هو كبيرٌ في قومه له نفوذٌ وقدرةٌ؛ فإن كلمة التعليم أكبر ومرتفعة أكثر من كل الذين يسكنون الأرض، أكثر من العالم وكل ما فيه، لأنه مَنْ هم الذين بجانب السيد المسيح الذي خلق الكون ويحكمه، الذي جبلنا وخلقنا ووضع يده علينا وجعل قوته فينا؟ ليتنا نجد رحمةً أمامه في يوم الدين، وأيضًا نعمته في مكان غربتنا هذا! وما هو العالم بالنسبة للراحة في السماء؟!
طوبى للذين يصلّون قائلين: "خبزنا الذي للغد أعطنا كل يوم". ربما تقول لي إنه يتكلم عن خبز الغذاء الجسدي، لكن أليس أن الكفرة عندهم هذا الخبز أيضًا وكثيرون متوفر عندهم بكثرة؟ ألا تسمع "الذي للغد" (حسب النص القبطي)؟ إنه يقصد الذين لهم المسيح اليوم، أي كل أيام حياتهم، فهو يقصد الخبز الحقيقي خبز الحياة الذي نزل من السماء، والذي هو رجاء حياتهم الذي سيقفون أمامه حينما يأتي ليُدين الأحياء والأموات. الخبز غذاء الجسد يثبِّت قلب الإنسان، فكم بالحري يُثبِّت الخبز الحقيقي خبز الحياة قلوب الذين يأتون ليتغذوا منه؟!


انظروا إلى حال عبّاد الأصنام والكفرة، إن قلبهم مكسورٌ ضائع. فلا شك أن ذلك ليس إلاّ لأنهم ليس عندهم الرب يسوع، فإن لم يكن هو عندهم فمن هو الذي يثبِّتهم؟ هل الخشب والحجر؟ أم الشمس والقمر وكل زينة السماء؟ إنني أتجرّأ وأضرب مثَل الذين عندهم الخبز بكثرة ولا يستطيعون أن يأكلوا منه لأنهم مرضى يُعانون من مرض شديد، فأمثلهم بالذين سقطوا في مرض شر الشيطان ويقولون: "لنا يسوع"، ولكنه في الحقيقة في أفواههم وليس في قلوبهم! ومن هو الذي يجعلهم يُقيمون في الضعف وهذا الخزي جالسين بجوار الخطية التي تُفسد نفوسهم مثل امرأة يتبعها كلاب وتجلس القرفصاء لكي تسمح للكلاب أن تنهش لحمها! إنهم لا يحاربون الخطية ولا يطاردونها بأعمالهم الصالحة مثل رجل يضرب الكلاب بالعصا حينما تقترب إليه!


أيضًا كانت توجد امرأة تجلس بالقرب من إبليس وتحت أرجل الشياطين بدلاً من الكلاب حتى ضربوها وغلبوها. ومن هي؟ إنها مجمع اليهود الذين طاردوا الرسل والأنبياء وجميع القديسين، فقد تجرّأَتْ وطاردتهم جميعًا. ومن الذي يقابلها بسلام؟ إنها صرخت ضد سيدها قائلةً: "اصلبه اصلبه"! لماذا؟ أليس لكي يكرهها جميع الصديقين وشعب وكنيسة المسيح جميعًا هؤلاء الذين يقفون في وجه العدو وهم مستعدون أن يموتوا من أجل اسم إلههم وسيدهم؟!


«لا سلام قال الرب للأشرار»:
هذه حقًا عداوةٌ لله، إذ ترى آباء وإخوة يقولون: "إننا ملكٌ للمسيح"، في حين أنهم يشاركون بعضهم بعضًا في معاطب أولاد الهلاك! ما هو سلام الناس عند الله عندما تكون شرورهم غير خافية عن زملائهم ولا يوبخ بعضهم بعضًا؟ كيف يهربون مما هو مكتوبٌ: «لا سلام قال الرب للأشرار» (إش48: 22)؟ طوباهم الذين تعلّموا فعل الخير لأنهم هم الذين تعلّموا كيف يهربون من الغضب الآتي.


الأشرار في كل زمان إلى نهاية الدهر سيذهبون إلى الجحيم، والأبرار منذ أن خُلق الإنسان على الأرض وإلى النهاية سيذهبون مع زملائهم إلى الملكوت. ومن ذا الذي لا يرغب أن يكون بارًا حتى يذهب إلى المسيح مع ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع الصديقين منذ هابيل حتى الآن وإلى الدهور الآتية بدلاً من أن يكون شريرًا ويذهب إلى الشيطان في الجحيم مع الأبالسة والكفرة ومع كل الذين ماتوا في شرور خيانتهم التي هي أردأ من كل خطاياهم؟ لأن الذين هم عبيدٌ لله في كل زمان يشفع فيهم روح الرحمة قائلاً: "النفس المعترفة لك لا تسلِّمها إلى البهائم". وهو يتضرع إلى الله لكي لا يسلّمها للشياطين.
إن الكتب لن تفيدنا شيئًا ولن نجني منها ثمرًا طالما نحن نغوص في حمأة الخطية والطين يغطينا ويغرّقنا. ألا يصيح أحد أو يسمع أحد مَنْ يقول: «الرب يرعاني فلا يعوزني شيء»، بينما يعوزه كل شيء؟! ربما تظن أنه يقول: إنه لن يتركني أحتاج إلى الذهب أو الفضة أو النحاس أو أي غنى، دون أن تفكر أنه يقول: إنه لن يتركني أحتاج إلى ما هو ضروري: الطهارة في الجسد وكل شيء! وحتى تعرف ذلك ألا ترى الأشرار يملكون خيرات الأرض بكثرة ويعوزهم غنى الرب الذي يرعاهم؟!


«إن لم تتكلم لتحذّر الشرير من طريقه، فذلك الشرير يموت بذنبه، أما دمه فمن يدك أطلبه» (حز33: 8). إن كنتُ أنا ثقيلاً عليكم مثل حِملٍ فلا تجزعوا، بل انتبهوا إلى نفوسكم وإلى التعليم، لأنكم إن فعلتم ذلك سوف تخلصون أنتم والذين يسمعونكم أيضًا. لذلك كنتُ أعظ بشدّة حتى قيل إنني عنيفٌ! ترتكبون كل نجاسةٍ وكل أمر رديء أنتم الذين سلّمكم روح الله للازدراء. إنكم تشبهون الذباب الطائر إذا مات ضاع منه زيت العطر (ربما يقصد نوعًا معينًا من الفراش!). إنكم قد متُّم وضاعت منكم الحياة التي يحفظها المسيحيون في أنفسهم. أفلا تستطيعون أن تبكّتوا أنفسكم بواسطة هذه الحشرات الصغيرة؟! ولنقل نحن لكل من لا يريد أن يعيش في الإيمان وصار من أعوان الشيطان، إن نصيبه كما هو مكتوب هو أنه يصير «كالثعالب في الخرب» (حز13: 4).


العنـزة لا تُعطَى للوحوش بل يرعاها الراعي، أما إذا ماتت فيمكن للراعي أن يعطيها للوحوش لتستعملها كطعام. وهل للشيطان نصيبٌ في الناس؟ حاشا، لأن الخليقة كلها، الناس والحيوانات والوحوش والطيور والحيوانات المائية والزواحف وحتى الثعابين، قد أوجدها الله. وإن كنتم تموتون في جحودكم وعدم أمانتكم تصيرون نصيبًا للشياطين ومسكنًا للأرواح النجسة. كل مَنْ يُصادق من لا يحب الحق ولا يتبع كلمة الله يضارّ كثيرًا. حتى متى تفتقرون؟ أو ما هي الأشياء التي أنتم في حاجة إليها حسب مقاييس هذه الحياة حتى يوجد بينكم سارقون لا يشبعون يجرّهم الشيطان إلى التفكير فيما للجسد حتى يموتوا أو يُميتوا آخرين معهم في كل تعدٍّ منذ البدء حتى الآن؟!


لقد أغضبتم اسم الله القدوس، وصعد كبرياؤكم إليه في كل زمان. لقد رفعتم قرنكم ضد السماء وكلّمتم الله بعنف! جميع الذين يفعلون الشر سيتفرقون وسيفنى الخطاة من على وجه الأرض. لقد تكلم الله مرات عديدة بطرق شتّى مع قديسيه موصيًا إياهم أن يصنعوا إرادته، ولكنه مرةً واحدةً فقط أمر نوحًا أن يبني الفلك، فأتم عمله ونجا من الغضب الذي حلّ على الأرض هو وكل بيته والطيور والحيوانات. ونحن الذين نفعل الشر لم نُطع بعد هذا الكلام الذي يأتي من الله أو نتمم عمل حق نخلص به!


مرةً واحدةً قال الله لإبراهيم أن يقدّم له ابنه الحبيب محرقةً، ففعل سريعًا بما أمره الرب لأنه كان يحبه أكثر من ابنه، ونحن حتى الآن لا نطيعه في كل كلامه فنقدم له أجسادنا ذبيحةً بكل طهارة ومحبة! والملائكة لم تكلّم لوطًا كلامًا كثيرًا لكي تجعله يهرب خارج مدينته التي أحرقها الرب بنار من السماء، ولكن لوطًا عمل بما أُمر به بسرعة، ونحن لم نُطع الله في كل كلامه لكي نهرب من كل شر ونكمل كل عمل صالح! أيضًا كلمةً واحدةً قالها الرب لتلاميذه: "اتبعوني وسأجعلكم صيادين للناس"، فتركوا شباكهم وسفنهم وعملهم بسرعة وتبعوه، وهكذا نالوا هذه الكرامات والأمجاد العظيمة! ونحن لم نُطعه في كل هذه الأقوال حتى نترك وراءنا رغباتنا وخطايانا لكي نصير مستحقين لرحمته وبركته!


إن الأبرار منذ آبائنا القدماء حتى آبائنا الرسل لم يعصوا الله بل عملوا ليس بكل إرادته فحسب؛ بل أيضًا حثّوا الآخرين معلّمين إياهم كما هو مكتوبٌ: «فأعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون» (مز51: 13). ألا يجب علينا أن نتمم مشيئته بكل قلوبنا كأبناء سوف يرثون ملكوت أبيهم السماوي؟! مرات عديدة، بسبب الأثمة، قلتُ بأَسَى وقلبي مملوء حزنًا: "يا الله سيد الكون، أيها الرب يسوع أضرع إليك بكل قوتي في شدّتي، إن كنتَ تشاء أن تُبقيني في هذا الدير فلا تسمح أن أموت في الوقت الحاضر. لا تجعلني أتغرّب عن هذا المكان سريعًا حتى أراك تؤدِّب المستكبرين الذين يأكلون لحم الأسد الشيطان ويشربون دمه، أي الشرور والشهوات والحقد والعصيان والجهل والآثام والسرقات والأكاذيب والمكر، وفوق كل شيء الكبرياء والافتخار وكل الشرور الأخرى"!


مرات عديدة، بسبب الأشرار، قلتُ وأنا مُلقى على الأرض على وجهي: "يا الله، أتضرع إليك من كل قلبي وفكري، أنه إذا كنتُ أعنِّف الذين يحزنون نفسي بلا سبب، وإذا كنتُ أنا حقًا أكرههم أو أحسدهم؛ فليأتِ عليَّ كل حزن وعذاب وعار لأن هذا هو جزائي إذا كنتُ بدلاً من أن أحب قريبي كنفسي قد كرهته. ولكن إن كنتُ لا أريد لهم إلاّ الخير وخلاصًا لنفوسهم في يوم الدينونة كما أنت تعلم؛ فعلِّم أنت هؤلاء بالحزن والتنهد والألم بلا راحة، ولكن ليس بغضبك يا سيد حتى لا تجعلنا ضعفاء في غضبك، وأيضًا ليس بسبـبي أنا لأنني حقًا غير صالح أمامك يا سيد، إذ عنّفتُ نفسي وحدي وسط كل الشرور، فأرجو ألاّ أكون مخطئًا بهذه الكيفية كما تعلم لأنك أنت الذي تفحص قلبي وكليتيَّ.


مرات عديدة، بسبب الخطاة، حينما أقترب من الدير أكون مثل الذي رماه أعداؤه بالسهام حينما أفكر في أمثال هؤلاء الناس، ليس لأنني أكرههم، حاشا، ولكن لأنني حزينٌ من أجلهم، عالمًا أن الله غاضبٌ عليهم ولا يقبل ما يفعلونه في كبريائهم وفي ثرثرتهم ومعرفتهم الباطلة وكل أعمالهم الشريرة التي يعملونها في جهادهم وتذمرهم على الذين يعلّمونهم، لأنهم لم يتعلّموا من الكتب قط.
مرات عديدة قلتُ في قلبي بحزن بسبب هؤلاء إنني مصممٌ أن آكل خبزي وحدي منفصلاً عن الدير، مهتمًا بطريقي كغريب، لكنني كنتُ أعود وأنصح نفسي وحدي أن أفعل العكس حتى لا أعثر أمثال هؤلاء في عمل آخر. لأنني ما كنتُ أريد أن أُحزن سائر الإخوة أو الأبناء لعلمي أن ذلك يؤلمهم جدًا لأنهم رحومون.


مرات عديدة استطعنا أن نقول كلمة تعزية أو صلاة للذين يستحقون كل بركة أو كل تعزية، لأننا جلسنا ساعات كثيرة في اليوم في اجتماعاتنا وقلوبنا متأكدة أنهم لم يُراعوا كلمة السيد حتى أتت عليهم تأديبات كثيرة بسبب الجهل والعصيان. مرات عديدة قضينا نصف الليل حتى الفجر، وقضينا نصف النهار حتى الظهر، وأمضينا اليوم كله نتكلم ونؤنِّب ونصلِّي ونعزّي ونبارك ونجاهد قائلين كلامًا فيه زجر وفيه سلام، ثائرين لكن جسورين، رحبي الصدر ولكن مثقلين بضيق وحزن، باكين بالدموع ولكن مستبشرين بالتعزية، وفي مخافة الله عالمون أننا نكون مخطئين إذا ضحكنا في هذه الظروف، لأن ضحكنا يجب أن يتحول إلى حزن كما هو مكتوب (يع4: 19)، ومع ذلك فإننا نفرح أيضًا في الرب كما هو مكتوب (في4: 4).


نجلس مجتمعين ونقول: "أين هم أصدقاؤنا الذين كانوا يأتون إلينا من الخارج ويسموننا ملائكة؟ أين هم ليروا شرورنا ومكرنا وكل أعمالنا الشريرة؟ يروننا نسلك بدون لياقة، الواحد في عداوة للآخر بسبب كبريائنا وجهلنا، وقد عصينا الكلمة المكتوبة: «فلنعكف إذًا على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض» (رو14: 19). تارةً كنا نقول كلمات قاسية وثقيلة، وتارةً أخرى كلمات لينة وخفيفة. ننذر بغير هوادة كل واحد حتى يغفر لقريبه من له دين، ويتضع أمامه ليس عن اضطرار بل بقلب صالح، وأن يتّقي غضب الله وانتقامه على الذين قيّدهم العدو بسلاسل فشابهوا يهوذا، وعلى الذين لم يهتموا بالابتعاد عن الشر حتى يكونوا متصالحين مع الله ولم يتركوا العداوة أو يصطلحوا مع القريب.
مرات عديدة أيضًا في ألمي بسببهم لم أستطع أن أقابل الذين يفدون إلينا من الخارج، ولولا أنني وجدتُ، ببركة الرب، بعض الآباء الشيوخ الموجودين معنا الآن فأرسلتهم لكي يستقبلوهم ويُقنعوهم بكل شيء؛ لكنتُ قد أعثرتُ الكثيرين من جهتي كما لو كنتُ قد احتقرتهم، بينما لم يكن في داخلي شيء من ذلك، ولكنني كنتُ أرغب أن أراهم أكثر مما كانوا هم يرغبون أن يروني أنا غير المستحق.


كنتُ أجلس مع الآتين إلينا ثم أتركهم لأدخل إلى الدير لكي أقرر ما يُتّبع بشأنهم، وكنتُ أضطرب حزنًا كالتي تتمخض في الأوجاع، لأنني ذاهبٌ بعيدًا عن الذين جاءوا إلينا لكي أقرر مصير هؤلاء التعساء. وأخيرًا، انتهيتُ إلى قرار بحزن قلب، ولأجل خلاص كثيرين قلتُ، وكل الإخوة يسمعون، إننا لا نرى أن نفعل شيئًا آخر سوى أن نفصل الخاطئين عن القديسين كما فعل الرسول مع بعض الناس القساة القلوب الذين عصوا قديمًا. ولذلك فقد افترق عنهم الرسول القديس وأبعد الإخوة عنهم، وهكذا كان يكلّم الذين يستحقون أن يسمعوا، أما أعداء الله المقيمين في عصيانهم وغير التائبين المصرّين والمجاهرين بشرورهم؛ فما كان يقول لهم شيئًا لأنهم لم يكونوا مستحقين متذكرًا قول السيد: «لا تُعطوا القدس للكلاب» (مت7: 6). وهؤلاء وأمثالهم هم الذين قال لهم: «دمكم على رؤوسكم» (أع18: 6).


وأنتم يا أحباء المسيح، أتريدون أن تعرفوا قلوب الذين يحبون الله لكي تكتشفوا جمال نفوسهم المملوءة من الروح القدس في كل عمل صالح؟ راقبوا شقوق الصخور المملوءة باليمام والأماكن التي تسكنها. هذه الشقوق هي المساكن الوحيدة للصغار، وهي لا تتركها وحدها لأن قلبها مثل قلوب الأصدقاء الأمناء. إنها واحدٌ مع السيد المسيح، الجحر الذي يفيض عسلاً، لأن الصخرة هي المسيح ولم ينفصلوا عنها. وهو يقول: "إنه أشبعهم عسلاً من صخرة، وزيت شفاء لغليلهم من الحجر الجلمود" (انظر مز81: 16؛ حك11: 4)، فما هو العسل إن لم يكن هو المسيح؟ وما هو الزيت إن لم تكن النعمة التي بها يخلص المسيحيون؟!


إذا اختلط الماء بالنبيذ يصبح واحدًا معه، وأيضًا رجل الله إذا اشترك مع الروح القدس يصير معه واحدًا! ومن هي التي يقول عنها المتكلم في سليمان: «يا حبيبتي يا جميلتي .. يا حمامتي» (نش2: 10و14) إن لم تكن الكنيسة التي تلد المسيحيين الذين يشبهونها؟! وعنها أيضًا قيل: «واحدةٌ هي حمامتي كاملتي الوحيدة لأُمّها عقيلة (أو مختارة) والدتها هي» (نش6: 9)، ثم يقول أيضًا: «قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي يا حمامتي في محاجئ الصخر في ستر المعاقل» (نش2: 13و14)، وهذا يشير إلى الذي في البهاء الذي هو إشراقة النور الذي جاء إلى العالم، أي المسيح، فقد كتب موسى في الناموس عن جماله ومجده ونعمته وقوته. وقال أيضًا سليمان: «أنتِ جميلةٌ يا حبيبتي كترصة حسنة كأورشليم» (نش6: 4)، وأيضًا: «ها أنتِ جميلة يا حبيبتي، ها أنتِ جميلة، عيناك حمامتان» (نش4: 1)، ويعني بذلك الأنبياء والرسل المملوءين من الروح القدس. وقال أيضًا: «ثدياك كخشفتي ظبية توأمين» (نش4: 5)، وأيضًا: «صرّة المرّ حبيبي لي، بين ثدييَّ يبيت» (نش1: 13)، ويعني بذلك العهدين القديم والجديد المملوءين بكلام الله.

يتبع

  رد مع اقتباس