من عظات أنبا شنودة عن التوبة
العظة الأولى
«ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة» (حز33: 11).
تعساءٌ هم الذين يعيشون بينكم ولم يتغرّبوا بعد عن صداقة قوات الظلمة ويشتركون في أعمال الظلمة. طوبى للذين لم يتخلّوا عن صداقتهم لملائكة النور، وقد وطّدوا علاقتهم بهم، فيشتركون في أعمالهم النورانية ويسلكون كأبناء النور. إنهم يثمرون ثمار النور في كل عمل صالح بالعدل والحق.
«زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم» (1بط4: 3). لقد حان الوقت بالتأكيد لكي نستحي من شعرنا الأبيض ونكفّ عن عمل ما لا يجب عمله. لقد أصبح أولادكم الصغار شيوخًا في المعرفة، والفتيات الصغيرات أصبحن سيدات ناضجات في الفكر، فكم بالحري شيوخكم المسنّون وسيداتكم المسنّات! فإن كان البعض منكم ليست لديهم حتى الآن المعرفة أو العزيمة لكي يبتعدوا عن الباطل، فإننا نبدو كحيوانات غير مستحقين لشيء. لقد حاد الكثيرون عن أعمالهم الشريرة دون أن نتعلّم نحن أن ننأى عن شرورنا، لأننا في الحقيقة لا نخاف الله.
«أيها الفريسي الأعمى نقِّ أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا» (مت23: 26). قال السيد المسيح إنكم تظهرون من الخارج رجالاً صالحين لكن داخلكم مملوءًا غشًّا وخبثًا. فمن ذا الذي يستطيع أن يصف الدنس الذي بداخل الكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة الذين لم يؤمنوا في ذلك الزمان بالمسيح؟ هل أفادتهم طهارتهم الخارجية شيئًا؟ هل كانت عبادتهم نافعة؟ أو ماذا ربحوا من صلبهم لسيدهم؟ إنهم خدّام غير مستحقين. كيف تظل عبادتهم وعبادة أبنائهم بعدهم مرفوضة وكل ما تبقّى منها حتى الآن؟ هؤلاء الذين سقط الدم عليهم ولن يُرفَع عنهم بتوالي الأجيال إلى الأبد.
كل هرطوقي مجدِّف، وكل مَنْ يمدح الذين يرتكبون هذه الآثام ويقولون بها يُحزن الذي أوصانا قائلاً: «تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء» (لو12: 1). أمثال هؤلاء موجودون في الكنيسة وهذا ليس بعجيب، فالعصافير أيضًا كثيرًا ما توجد بها. وإن كان الهراطقة يبسطون أيديهم أو يرفعونها بغش كما لو كانوا يصلّون؛ فالعصافير تفعل ذلك مرارًا كثيرةً حينما تبسط أجنحتها.
أتقدرون أن تقاوموا الشيطان أيها غير الأمناء إن لم يكن لكم درع الإيمان؟ فبه تستطيعون أن تطفئوا سهامه. الويل لكم إن كنتم لا تدخلون الكنيسة أو إن كنتم لا تتناولون جسد ودم السيد. والويل لكم إن كنتم تدخلونها وتتناولون من السر المقدس ولكم قلبان، لأن أعمالكم كلها تكون باطلةً وغير مثمرة،
وقد قال الكتاب: «باطلٌ هو لكم التبكير» لكي تفعلوا ماذا؟ تنهضون لتعبدوا أو تصلّوا إلى آلهة ليست بآلهة؟ ومَنْ من الذين يصلّون من أجل أن يُخرجكم الله من خطئكم لا يحزن عليكم إذا كنتم تقومون مبكرين باطلاً أو تعبدون باطلاً؟ ماذا تكسبون إن كنتم تغشون قلوبكم حتى لا تؤمنوا بالله الذي جبلنا على صورته ومثاله؟
توجد طيور كثيرة لكن النحلة أفضلها. جيدٌ بالتأكيد أن نحب النحل لأنه يعطي تعبه للجميع، وجيدٌ أيضًا أن نحب الصديقين لأنهم يُسرّون الله بكل أعمالهم الصالحة، وهم أيضًا يريحون أحشاء جميع القديسين في السموات.
جيدٌ أن يعتني الناس بالنحلة ويسهروا عليها ويقضوا على الحشرات الأخرى التي تحاربها، وجيدٌ أن يعتني الملائكة بالمسيحيين الحقيقيين ويسهروا عليهم ويضربوا العدو الذي يحاربهم ويؤذوه.
جيدٌ أن يحب الناس النحلة لأنها تُعطي شهدًا حلوًا من السماء بقوة السيد، وجيدٌ أيضًا أن يحب الملائكة المسيحي لأنه يقبل في نفسه الندى الحلو النازل من السماء الذي هو أحلى من كل عسل: كلمة الله والإيمان والسلام والمحبة ورجاء كل خير. وإن كان النحل الصغير يضع خيره في أي وعاء يجده مهيَّأً له، فكم بالحري السيد المسيح يضع الخير في الإنسان الذي يجده مستعدًا لوصاياه بكل الطهر والنقاء.
أيها الإنسان، أتريد أن تعلم ما في قرارة نفس من كان غير أمين ذا نفس مضطربة ومملوءًا من الأرواح النجسة؟ راقب مغارات الضبعة ومغارات كل الحيوانات المفترسة وانظر كم هي مملوءةً بالعظام من كل نوع ... بهذا تقفون على أسباب خزيكم. إنني أخاطبكم يا مَنْ تدخلون الكنيسة برياء خوفًا من الناس، لأنه من أجلكم قد قيل: «ملعونٌ من يعمل عمل الرب برخاء (أي بيد مرتخية)» (إر48: 10).
يتبع