ومع هذا، اشتهى من اللهِ فكراً طلع على قلبهِ، وهو أن يريه إنساناً يماثله في نعيمِ الآخرةِ، وطلب من اللهِ بخشوعٍ وتضرعٍ كثيرٍ، فجاء إليه صوتٌ يقول له: «يا يوساب، يا يوساب، الملكُ الذي في إنطاكية». واستجاب الربُّ طلبتَه واختطفته سحابةٌ، وأنزلته خارج مدينة إنطاكية، وأخذ جريدته بيدهِ، وقصد باب المدينةِ، فلما انتهى إلى البابِ وجد الملكَ قد ركبَ في ذلك اليوم، وهو خارجٌ من المدينةِ، وحوله عسكرٌ كبيرٌ بالتبجيل العظيم، فبعضهم يمشي في ركابهِ، وبعضهم على خيلهم. فاستند الراهبُ إلى باب المدينةِ حتى يشاهدَ الملك وجهاً لوجه، وإذا الملكُ قد أقبلَ راكباً، وفرسُه مثقلٌ بالحلي والمجوهرات التي عليه، وكان شعاعُ الجواهر المختلفة الألوان التي في التاج الذي على رأس الملكِ يضيءُ.
فحينئذ ندم الشيخُ وحزن لما أبصر هذه العظمةَ التي للملكِ، وقال: «من يكون هذا الملك العظيم، كيف يكون له إرثٌ في ملكوتِ السمواتِ»؟ وصار حزيناً باكياً، ووقع الازدحامُ في البابِ وصار الشيخُ من الازدحام في بلبلةٍ وتعبٍ عظيم، ولما وصل الملكُ إلى البابِ خفَّ الازدحامُ. حينئذ التفت الملكُ إلى الشيخِ وقال له: «يا أنبا يوساب، لقد اشتهيتَ لنفسِك تعباً ما كان إليه حاجةٌ»، وأمر بأن يمضي به إلى القصر، حتى يعود.
فلما سمع الشيخُ قول الملكِ فرح جداً، وقال: «لولا أن اللهَ ساكنٌ في ذلك الإنسانِ، لما عرفني، ولا عرف قصدي». فلما وصل الشيخُ إلى الدارِ، جلس في الدهليزِ، حتى نزل الملكُ من الركوبةِ، فأخذ بيدِ الشيخِ ودخل إلى مجلسٍ عظيمٍ، وقد هيئ فيه طعامٌ للعسكرِ، فجلس في ناحيةٍ من العسكرِ، ودخل العسكرُ جميعُهم، فلما أكلوا وشبعوا من ذلك الطعامِ، انصرفوا.
حينئذ قام الملكُ والشيخُ، ودخلا إلى ذلك القصر، وإذا بالملكةِ زوجة الملكِ، تلتقي بهما وعليها من الحلي والجواهر، ما يفوق الوصف، وحولها من الجواري جمعٌ كبيرٌ، يفوق الوصف في حسن الصورةِ وجمال اللِباس، والحلي. فلم يزالوا في خدمةِ الملكِ حتى جلس على سريرهِ، وحينئذ انعزلت الملكةُ وجواريها عنهما، وبعد ساعةٍ عادت إليهما، وهي لابسةٌ مِسحَ شعرٍ، وعند ذلك انعزل الملكُ أيضاً، ولبس مسح شعرٍ وعاد، ثم نهضا، وخرجا من ذلك الموضعِ، والسائح معهما، وأتوا إلى مكانٍ في القصرِ، فيه راهبٌ جالسٌ، يعمل في شغلِهِ.