وبقيتُ في الروضةِ وحدي، أطوفُ فيها يميناً وشمالاً، ولا أدري أين أذهبُ، وأقمتُ على هذه الحال عاماً كاملاً، آكُلُ من ثمرِ الشجرِ، ولا أدري من يجاوبني، ولا القوم الذين رأيتُهم، وقلتُ: «لقد فعل الله معي، مثل قديسيه، وأسكنني هذا الجنان، وهو الذي بعثَ لي هؤلاء القوم الذين رأيتُهم».
وبينما أنا في آخرِ العامِ، وإذا بي أرى ركاباً يريدون المسيرِ إلى حاجتهم، فتقدمتُ إليهم، وقلتُ لهم: «إلى أين تقصدون»؟ فقالوا: «مدينةَ الإسكندريةِ». فقلتُ لهم: «هل لكم أن تأخذوني معكم؟ فإني ها هنا في هذه البريةِ لا أعلمُ أين أذهبُ»، حدث هذا لما داخلني الفكرُ بحبِ العالمِ بينهم، فظهر لي الشيطانُ وجنودُه في هذه الهيئةِ، ليخرجوني من الموضعِ الرحبِ إلى الضيقِ والتعبِ. وحملوني وأنا لا أعلمُ أنهم الشياطين؛ وفي أسرعِ وقتِ مضيتُ إلى مدينةِ الإسكندرية، وكان رجلٌ من الركابِ يقول: «قد ربحنا هذا، وأخرجناه من النعيمِ إلى التعبِ».