أما أنا فقد مضيْتُ إلى البيعةِ والصلاةِ وتناول الأسرار، فوجدتُ فيها رهباناً قديسين كنتُ أعرفهم، فلما رأوني، فرحوا بي وقالوا لي: «يا مقارة، متى أتيتَ إلى هنا»؟ فقلتُ: «بالأمسِ». فقالوا: «أين أنت نازلٌ»؟ فقلت لهم عن صفةِ ذلك الرجلِ، فتعجبوا، ولم يعرفوه، فسألوا عنه الرجلَ الذي كان قيِّماً بالبيعةِ، وهو خبيرٌ بجميعِ سكانِ المدينةِ، فلم يعرفه، وكان ذلك عجيباً.
ولما فرغتُ من الصلاةِ والقداس، عدتُ أريدُ المنزلَ، فلم أجده، وتعبتُ متحيراً، لا أدري كيف أذهبُ، فتفكرتُ وقلتُ: «لعل الذي رأيتُه كلَّه كان مناماً، أمضي وأجلس على الطريقِ في المكانِ الذي اجتمعتُ به فيه أولاً، لعلي أراه».
وكنتُ قد وضعتُ في المنزلِ قبل خروجي منه بعضَ حوائجي، فخرجتُ إلى خارجِ المدينةِ، وجلستُ على الطريقِ في المكانِ الذي اجتمعتُ به فيه أولاً، فلم أجلس إلا قليلاً، وإذا بذلك الرجلِ قد أقبلَ عليَّ، على تلك الحالةِ الأولى، فتطلَّع وأبصرني، وقال لي: «لِمَ خرجتَ إلى ها هنا»؟ فأعلمتُه بجميعِ ما نالني في ذلك اليوم. فقال لي: «أسأتَ إليَّ اليومَ لَمَّا فعلتَ هذا، إني رجلٌ مُطَالبٌ بما قدمته يداي، وكنتُ لا أريدُ أن يعرفَ موضعي أحدٌ»، وهذا كان تعليماً حسناً.