أما أنا، فلما وقع ذلك الطعامُ في فمي، وإذا طعمُه مثل شهدِ العسلِ، وأحلى منه، والملحُ أيضاً كان كأنه مثل ذلك، فتداخلني العَجَبُ، وأكلنا من رغيفِ الخبزِ هذا، نحن الرجلين، ولم يذهب منه شيءٌ، فقلت: «يا ليت شِعري، ما هذا الرجل»؟
وبعد أكلِ الطعام بدأ يسألني عن الكتبِ المقدسةِ، وما فيها من آلام المسيح، ويشرحُ تفسيرها، ورغم أني كاتبٌ جميعُ أيامي كلِّها، ومطَّلع في الكتبِ المقدسةِ، إلا أني لم أكن عارفاً بما أوضحه لي. فقلتُ: «هذا من اللهِ، هذا الرجل هو ملاكٌ، وإن الله سهَّل طريقي، إذ جمعَ بيني وبينه». وكنتُ أسمع منه، ولا أقدر أن أجيبه، لأجلِ ما فيه من الروحِ الناطقةِ.
ولما كان الصباحُ، وهو لم ينم، أخذ آلتَه، وأراد الخروجَ إلى المكانِ الذي فيه الكرم الذي كان له، وأنا لا أعلمُ بذلك، وقال لي: «أنا أريدُ أن أخرجَ إلى عملي باكراً حتى أنصرفَ باكراً»؛ وإنما كان يشيرُ بذلك إلى الآخرةِ، وأنا لا أعلمُ. ودفع لي مفتاحَ منزلِه، وقال لي: «اخرج أنت واقضِ ما تريده من حوائجك، وعد إلى منزلي، فإنك تكون عندي إلى عشرةِ أيامٍ»، فأخذتُ المفتاحَ، وتوجَّه هو إلى عَمَلِهِ.