وقال: «إن الشياطينَ متى رأوا إنساناً غيرَ مائلٍ، ولا منصبٍ إلى الأمورِ، فلا يحزن لفقدِها، حينئذ يعلمون أن هذا الإنسانَ الذي صفتُه هكذا، يمشي على الأرضِ، وليس له هوىً أرضي، وذلك يرجع إلى الميولِ والحركاتِ الخاصة بالنياتِ والإرادات، لأنه يمكن لإرادةٍ وحركةٍ صادرةٍ عن نيةٍ واحدةٍ، إذا كانت شديدةَ الحرارةِ، أن تُقدِمَ لله في ساعةٍ واحدةٍ، ما لا تقدمه حركةُ نيةٍ أخرى في خمسين سنةً».
وقال الطوباوي أيضاً: إن إنساناً أخبره بأنه كان له معلمٌ وديعٌ جداً، وقال إنه لعظمِ فضيلتهِ، والآيات التي كان يعملها، اعتقدتْ فيه تلك الكورةِ إنه ملاكُ اللهِ، فدخل عدوُنا في وقتٍ ما في أحدِ الناسِ، وجاء إليه وشتمه شتيمةً كثيرةً، في غايةِ القبحِ، بمشهدٍ من الكلِّ، والشيخُ ناظرٌ إلى فمِ شاتمه لا غير، وقال له: «إن نعمةَ اللهِ على فمِك يا أخي»، فأجابه ذاك: «يا أيها الشيخُ الرديء، يا من كلُّ شيبتِه تقولُ هكذا، حتى متى تتصنع بذلك أمامَ الناسِ»؟ فقال له الشيخُ: «بالحقيقةِ يا أخي، ما تقوله هو حقٌ». وبعد ذلك سأله سائلٌ: «الآن، أما انزعجتَ يا راهب»؟ فقال: «لا، بل كنتُ أحسُ في نفسي أن الله يسترها». وكان هذا الطوباوي يقول مراراً كثيرةً: «ما قد عرفنا نحن البشريين لا المحبةَ ولا الإكرامَ، بل قد ضيعنا عقولَنا، لأنه لو احتمل الإنسانُ أخاه قليلاً وقت حردِهِ وغضبهِ، ثم عاد بعد قليلٍ إلى نفسِه، وعرف كيف احتمله أخوه، فإنه يضع نفسَه من أجلِه».