قوتُ الجسدِ المآكلُ، وغذاءُ النفسِ الكلامُ والحكايات. وكما أن شَرَه كثرةِ الحكايات، هو رغبةُ النفسِ، هكذا السكوتُ هو ثمرةُ الحكمةِ المزمعةِ. من يزيل من ضميرِه هفوات قريبه، يزرع السلامَ في قلبهِ. الساذجُ الحكيمُ باللهِ، أخيَر من الفهيم الغاش بضميرِه. الذي استعبد بطنَه ولسانَه، أخيَر من الذي استعبد الأسدَ. والذي قَمَعَ الكلمةَ في قلبهِ، أخيَر من الذي طَمَرَ وزنتَه في الأرضِ. الإنسانُ العادمُ من الصلاةِ، ويجادلُ على الفضائلِ، لا فرقَ بينه وبين الأعمى العادم النورِ، ويجادلُ على حُسنِ الفصوصِ الكريمةِ، والألوان الكثيرةِ. الذي يماحك قبالةَ التأديبِ تبعد عنه المراحم الأبويةِ. الذي يتذمَّر مقابل التجاربِ، تتضاعف عليه. الذي لا يتأدب ههنا، ويمقت التجاربَ، يتعذَّب هناك بلا رحمةٍ. العادم من الأصدقاءِ المغرورين، عادمٌ من الضنكِ. من يصالحُ نفسَه، أخيَر ممن يصالح شعوباً، وهو مُغضَبٌ منقسمٌ على ذاته.
كما أنه لا يمكن أن تتعلمَ الصنائعَ من حكمةِ الكلامِ، هكذا لا يمكن أن تتعلمَ الفضائلَ التي للسيرةِ من قراءة الكتبِ وحِدَّةِ الحركات ودِقة الفهم، من دونِ تجربةٍ طويلةٍ بذواتنا، نستطيع بهما احتمال فلاحة الأعمالِ. أبله يصنع صناعة البحريةِ من ذاته، أخيَر من عارفٍ يتعلم سيرةَ الروحِ من أسطرِ الكتبِ، وبالتسليم من آخرين، من غير تجربةٍ محكمةٍ بذاته. الذي يعمل التوبة ويفلح في النسكِ بل وفي ممارسةِ الأعمالِ والفضائلِ، ولكنه يتكل على برِّه، لا على النعمةِ، فهذا لا فرقَ بينه وبين من يجمع حجارةً (ليفرقها). هناك مَن صومُهُ أبعَدَه من الحقِّ، وآخر بنسكه، وآخر بتجرده، وآخر بسهره، وآخر بعمله، وآخر بصدقتِه، وآخر باحتماله، وآخر بكمال أعماله الإلهية، وكم نريد أن نقول، لأن ربنا جزم: بأنه من دوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً، أي بالهدوء وتواضع القلبِ اللذين بهما أنا غلبتُ العالمِ».