تخوَّف من العاداتِ أكثرَ من الأعداءِ. إن من يربي عنده عادةً، هو كإنسانٍ يربي (أي يُشعل) ناراً بكثرةِ الوقود، وذلك لأنَّ قوةَ الاثنينِ تتقوَّم بالمادةِ، أما العادةُ فإنها إذا ما طالبت دفعة، ولم تُجبها إلى طلبها، فإنك تجدها في وقتٍ آخر ضعيفةً، أما إن صنعتَ مرسومها دفعةً، فإنها تتقوى عليكَ في الثانيةِ أكثر مما سلف. لا تكن صديقاً لمحبِّ الضحكِ والمؤثرِ أن يهتكَ الناسَ، لأنه يقودك إلى اعتيادِ الاسترخاء. لا تُظهر بشاشةً في وجهِ المنحلِّ في سيرتِهِ، وتحفَّظ من أن تبغضَه. عبِّس وجهكَ لدي من يبدأ في أن يقعَ بأخيه قدامك، فإنك إن فعلتَ هكذا، تكون متحفظاً لدي الله تعالى ولديه. صديقٌ ليس بحكيمٍ يشبه سراجاً في شمسٍ. صلاة الحقودِ كبذارٍ على صخرةٍ. ناسكٌ غيرُ رحيمٍ كشجرةٍ لا ثمرَ فيها. ورعٌ صادرٌ عن حسدٍ كسهمٍ مسمومٍ. مشيرٌ أحمقُ كضريرٍ مرشدٍ. تَفتُّت القلبِ في مجالسةِ غير الحكماءِ. فخٌ مخفي هو مدحُ الغاش. ينبوعٌ عذبٌ، محادثةُ الفضلاءِ. والمشيرُ الحكيمُ كسورِ رجاءٍ. صديقٌ جاهلٌ، ذخيرةُ خسرانٍ. مشاهدة النادبات في منزلِ البكاءِِ، أفضلُ من رؤية حكيمٍ تابعٍ لأحمقٍ. جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يكتفي. التحدث مع الخنازير ذات الحمأةِ، أفضل من فم الأكولين. جالس المجذومين ولا تجالس المتعظمين. كن مطروداً لا طارداً. وكن مظلوماً لا ظالماً. أبسط سربالك على المذنبِ، واستره إن كنتَ لا تقدر أن تحتملَ وتضعَ على نفسِك أوزارَه، وتقبل الأدبَ وتتجشَّم الأتعابَ من جرائهِ. لا تماحك ولا تخاصم من أجلِ البطنِ، ولا تبغض من أجلِ أن تُكرَّم، ولا تحب الرئاسةَ. التمس فهماً لا ذهباً. البس الاتضاع ولا تلبس الأرجوان. اقتنِ سلامةً لا مُلكاً.
كما قال: «إن أردتَ أن تعرفَ رجلَ اللهِ، فاستدل عليه من سكوتِه ومن بكائِه ومن انقباضِ نفسِه على ذاتهِ، وإن أردتَ أن تعرفَ الرجلَ السائبَ القلبِ، فاستدل عليه من كثرةِ كلامهِ ومن تخبط حواسهِ ومن مقاومته لكلِّ شيءٍ، يقول ويريد أن يغلبَ».
سأل أخٌ شيخاً: «لماذا أضجر في قلايتي؟»، فقال له: «ذلك لأنك لم تحس بعد بنعيمِ القديسين وعذابِ الخطاة، ولو عرفتَ ذلك لصرتَ بلا ضجرٍ حتى ولو كنتَ منغمساً في الدودِ والنتِن في قلايتك لحد حلقك، لأن قوماً بسببِ ضجرِهم يتمنون الموتَ، ولا يعلمون شدةَ الصعوبةِ عند ملاقاة الله مع خروجِ القضيةِ اللازمةِ عليهم، وشدة العقوبةِ الحالةِ بالخطاةِ».