إن الجوهرَ يُصانُ في الخِزانةِ، ونعيمَ الراهبِ يُصانُ في السكونِ والهدوءِ. إن العذراءَ لتتأذى بالمجامعِ والمحافلِ، كذلك فكرُ الراهبِ، تضره المحادثةُ مع الكثيرين، والنظرُ إليهم. إن الطائرَ يُسارعُ إلى وكرِه، بعيداً عن كلِّ مكانٍ، وذلك ليفرخَ، كذلك الراهبُ ذو الإفرازِ، يبادرُ إلى قلايته، ليصنعَ فيها ثمرةَ الحياةِ. إن السحابَ يحجبُ نورَ الشمسِ، والأقوالُ الكثيرةُ تبلبل النفسَ. إن الشجرةَ إن لم ترمِ أولاً الورقَ العتيق، فلن تأتي بأغصانٍ جديدةٍ، كذلك الراهبُ، إن لم يرمِ من قلبهِ ذكرَ الأمورِ والأعمالِ السالفةِ، ويبعد عن ملاقاةِ الكلِّ، فلن يقدِّم ليسوعَ المسيحِ أثماراً جديدةً. إن الهواءَ يُسمِّن الأثمارَ، والاهتمامَ بأمورِ الله عز وجل، يُسمِّن أثمارَ النفسِ. إن أثمارَ الشجرةِ فجهٌ ومرةٌ، ولن تصلحَ للأكلِ حتى تقع فيها الحلاوةُ من الشمسِ، كذلك أعمال التوبةِ الأولى فجةٌ ومرةٌ جداً، ولا تفيدُ الراهبَ حتى تقع فيها حلاوةُ الثاؤريا، فتنقلَ القلبَ من الأرضياتِ. حلاوةُ الكلامِ من غيرِ أعمالٍ لا تنفعُ، لأنه إذا ما انتقل عنها الإنسانُ، يخزى بالأكثرِ. كما أنه لا يمكنُ أن يشربَ الشابُ الخمرَ، ولا تفوح رائحتُه من فمهِ، هكذا لا يستطيع الإنسانُ أن يؤهَّل للنياحِ الروحاني بتدبيرِ سيرتهِ، ولا تظهر مغايرات أمورهِ لحكماء القلب. إن الذي قَبِلَ الزرعَ السمائي مغايرٌ بكلامِه، ومغايرٌ بضميرِه، ومغايرٌ بسيرتِه، ومغايرٌ بحواسهِ، ومغايرٌ في كلِّ شيءٍ لبقيةِ الناسِ. وهو كإنسانٍ كان نائماً وانتبه من نومِه، إن الراحةَ والبطالةَ هلاكٌ للنفسِ، وهما يؤذيان أكثرَ من الشياطين.
وقال أيضاً: إنسانٌ مماحكٌ لا يظفرُ بسلامةِ الفكرِ، والعادمُ من السلامةِ، هو العادمُ من الفرحِ. الإنسانُ الذي يطلِقَ لسانَه على الناسِ بكلِّ جيدٍ ورديءٍ، لن يُؤهل للنعمةِ من اللهِ. توبةٌ مع أحاديث تشبه خابيةً مثقوبةً. عفةٌ ومحادثةٌ مع امرأةٍ، كلبؤةٍ وخروفٍ في بيتٍ واحدٍ. أعمالٌ مع قساوةٍ قدام الله تعالى، كإنسانٍ يضحي ولداً (أي يذبح ولداً) قدام أبيه. المريضُ الذي يقوِّم رفاقَه، يشبه إنساناً أعمى يُري آخرينَ الطريقَ، إن الحقودَ يستثمرُ من صلاتهِ ما يستثمره الزارعُ في البحرِ من الحصادِ، وكما أن شعاعَ النار لا يمكن إمساكه عن الطلوعِ إلى فوق، هكذا صلاة الرحومين لا يمكن إلا أن ترقى إلى السماءِ. وكما أن جريانَ الماء يتجه إلى أسفل، هكذا قوةُ الغضبِ إذا ما ألِفَت موضعاً في فكرِنا. من واضَعَ قلبَه، فإنه قد مات عن العالمِ، ومن مات عن العالمِ، فقد مات عن الآلامِ، ومن مات بقلبهِ عن أصحابهِ، فقد مات المحتالُ عنه. ومن وجدَ الحسد، فقد وجد معه الشياطين الذين أوجدوه منذ القديم. إنَّ جمعَ المتواضعين لمحبوب عند الله تعالى كجماعةِ السارافيم. إن الجسمَ العفيفَ لكريم عند الله تقدس اسمه أكثر من الضحية الطاهرة، وذلك أن هذين، أعنى الاتضاع والعفة، ضامنان للنفسِ بحلولِ الثالوثِ المقدس فيها.