وقال أيضاً: «إن لم يحفظ الإنسانُ التعليمَ الروحي، ولم يُنَقِ قلبَه من الأفكارِ القذرةِ، فكلُّ تعليمٍ ينساه ويذهب عنه. وعند ذلك يجدُ العدو فيه مطمعاً فيسقطه، لأن النفسَ تشبه مصباحاً مضيئاً، إن توانيتَ عنه ولم تتعهده بالزيت انطفأ».
قال شيخٌ: كما أنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ أن يؤذي رفيقَه وهو واقفٌ معه قدام السلطانِ، كذلك العدو لا يقدر أن يؤلمنا بشيءٍ من الشرِّ، ما دامت نفوسُنا قريبةً من اللهِ، كما هو مكتوبٌ: «اقتربوا من اللهِ، يقترب الله منكم»، ولكننا إذا كنا في كلِّ حينٍ نتنزه، ونشتغل بما لا ينبغي، فإن العدوَ يتمكن منا، ويُلقي بنا في أوجاعِ الخطيةِ.
قال دوروثاؤس: «من يضجر من شدائدِ هذا الدهرِ، فهو جاهلٌ بشدائدِ الدهرِ العتيد، وافتراقِ النفسِ من الجسمِ، والصعوبات التي تنالها. وكيف ننسى تصرف هذا الدهرِ (العتيد)، ونستمر في تذكر الأعمالَ التي نُدان عليها، بلا نسيانٍ».
من أقوال مار إسحق: الراهب الذي في زمانِ الطاعةِ والخضوعِ، يختارُ لنفسِه الراحةَ والحريةَ، فإنه في زمانِ الراحةِ الحقيقية، بالعدلِ يبكي ويجوع ويشقى بالندامة. الراهب الذي في وقتِ الحصادِ والفرحِ، يملك عليه الندمُ والكآبةُ، فهو شاهدٌ على ذاتهِ أنه في أوانِ الزرعِ والخضوعِ والعملِ، لم يُغصب نفسَه على أن يصبرَ ويحتملَ حدة البردِ والجليد، ليشقَّ بالمحراثِ خطوطاً عميقةً في بابِ قلبهِ، ويطمر فيها زرعَ خبزِ الحياةِ، لذلك فهو الآن يشقى بالجوعِ في وقت الحصادِ. أعمالُ التوبةِ والصلوات والدموع باتضاعٍ وكسر القلبِ، لا تغلب الآلام من النفسِ فقط، بل ومن الموتِ يقيمونها. حفظُ الحواسِ يقلعُ الخطايا، وحفظُ القلبِ يقطعُ الآلامَ التي تلدُ الخطايا. الراهبُ الذي يحاربُ قبالة الآلام، يحفظُ الوصايا لكي تُقطع الآلام من القلبِ، ولا تهدأ النعمةُ، إذ تساعده خفيةً. بالقراءةِ المفروزةِ اجمع قلبَك من الكلِّ، وقم للصلاةِ، وفي وقتِ الصلاةِ أَلفِت نظرَك إلى البشارةِ، وانظر الصليبَ والمساميرَ والحربةَ، واحزن وتنهد، وابكِ وأنصت إلى الجموعِ الصارخة: «اصلبه»، واعجب من مخلصِ الكلِّ كيف يصرخُ بنوعِ الصلاةِ: «يا أبتِ، لا تحسب عليهم هذه الخطيةَ»، وتشبَّه به بأكثرِ قوتِك، وابدأ بالصلاةِ والدموع.
وقال أيضاً: الاتكالُ على البشرِ، يمنع كليةً الاتكالَ على المسيحِ، والعزاءُ الظاهرُ يمنع العزاءَ الخفي، وهكذا بقدر ما يكون الراهبُ منفرداً، وفي وحشةٍ، بقدر ما يُخدم من العناية الإلهية. كن حقيراً ومزدرى في عيني نفسِك، فيكون رجاؤك عظيماً باللهِ. محاسن الصلاةِ هي: الاغتصاب والصبر والاحتمال وطول الروح والتجلد، والصلاة هي صراخ العقل الذي يصرخ من حرقةِ القلبِ. يا ابني إن أسلمتَ ذاتَك لجميعِ التجاربِ، فاصلب ضميرَك وأفكارَك مقابل الآلامِ بواسطةِ عملِ الوصايا بتغصبٍ وقسرٍ. بدء تدبير سيرةِ الصلبِ هو الصبر بتغصبٍ والانقطاع من كلِّ محادثات الوجوه، على أن يكون بغيرِ اهتمامٍ، وعدم ذِكرِ كلِّ جيد ورديء، وبغضة الكرامة، والصبر بشجاعةٍ على الظلمِ والعار والهزءِ، متمثلاً بذلك الذي هزءوا به بالصلبِ، وهو الذي يعطي الحياةَ للعالمِ. إن كنتَ مشتاقاً لسلامةِ القلبِ، ونياح الضميرِ الذي هو أثمار شجرةِ الحياةِ، فاخلع من قلبك شجرةَ تمييز الجيد والرديء، تلك الشجرة التي أُمر مبدأُ جنسنا (آدم) ألا يتذوق منها لئلا يموت، لأنها تولِّد سجساً في النفسِ وتقلع السلامةَ من القلبِ.