«وكما أنه من بذارِ عرقِ الصومِ ينبتُ سنبلُ العفةِ، كذلك أيضاً يتولد من الشبعِ الفسقُ، ومن الامتلاءِ النجاسةُ، أما الأفكارُ المشاغبة (الشهوانية) فلا تجسر على البطنِ الجائعةِ المتذللة قط. كلُّ مأكولٍ يتحصل داخلنا يتسبب عنه زيادة كيموس الزرع الطبيعي المجتمع في جسدنا، وإذا امتلأت الأعضاءُ التي هي أواني الزرع من السائل الذي من جميع الجسدِ، فإنه يسيل إلى هناك، إذا عرضَ له أن ينظرَ جسداً ما، أو تحرَّك فيه ذِكرُ شيءٍ من غيرِ الإرادةِ مع ما يتحرك بالفكرِ في ساعتهِ من مادةٍ بلذةٍ، تتحرك من هناك وتنطلق في جميع الجسمِ، حتى ولو أن الفكرَ يكون شجاعاً جداً وعفيفاً ونقياً بحركاته، ولكن بسببِ ذلك الإحساس في الأعضاءِ، فلوقته يضطرب إفرازه، وعفة أفكاره النقية تتسخ وطهارته تتنجس، لأجل اضطراب تلك الآلام التي تتحرك في القلبِ من توقد الأعضاء، وفي الحالِ تذهب نصفُ قوته، ويوجد مغلوباً مخصوماً بغير قتالٍ. ولن يتعب عدوه في الجهاد معه لأنه غُلب تحت إرادة الجسد المشاغب، وهكذا يجمع أفكاراً متلبسة بأشكالٍ مشاغبة محيطة به، أثناء رقاده وحده، ويبقى سريره الطاهر فندقاً للزواني، وتتدنس أعضاؤه الطاهرة من غير أن تدنو منه امرأةٌ. أيُّ بحرٍ يضطربُ هكذا، ويتسجس من الراموز، مثل اضطراب العقل المتقن السديد، بقوة الأمواجِ الثائرة عليه في جسمهِ، من امتلاءِ البطنِ».
أيتها العفةُ، ما أنقى حسنك بالرقادِ على الأرضِ، وألم الجوع الذي يشتت النومَ عنه لأجل نشوف الجسد، وخلو البطن. من كلِّ مأكولٍ، تصدر داخلنا أشكالٌ مرذولةٌ، وصورٌ مشاغبةٌ تتشكل منه، فتخرج وتظهر لنا في بلدِ عقلنا الخفي، جاذبةً إيانا إلى مشاركتها بأفعال الفسق، أما خلو البطنِ فإنها تكون كمثل بريةٍ مقفرةٍ للضمير، هادئة من سجس الحسيات؛ والبطن الملآن، فهو بلد الفُرجات والمناظر، حتى نحن الذين في البريةِ والقفرِ، وجدنا الشبعَ يسبب الكثيرَ من أمثالِ ذلك».