وقال كذلك: «إنه لزمان الأحزانِ، وبالكدِّ والتعبِ العظيمِ، يقدرُ إنسانٌ أن يخلِّصَ نفسَه من فخاخِ المكرِ. تسربل يا أخي بالتواضعِ في كلِّ وقتٍ، لأنه يُلبس نفسَك المسيحَ معطيه. أمسك بالورعِ والعفةِ، لأنهما ينقيان من نجاسةِ الأوجاعِ الدنسة. طقِّس حنجرتك ونومك بقدرٍ، ولتتنعم نفسُك في النومِ بالأحلامِ الروحانيةِ، وفي اليقظةِ بالأفكارِ البهيةِ. طقِّس لسانَك من كلِّ كلامٍ فارغٍ، ليتسلط عقلُك على الأوجاعِ والشياطين المنافقين. من الحَرَدِ والحرودين احذر، لأنهم يعدمون النفسَ من النورِ المقدسِ. ممن لا طقس له، ولا تدبير متقن، أبعد نفسَك كلما أمكنك ذلك، لئلا يجعلك عبداً للخطيةِ. ليكن حديثُك مع محبي الله لتأخذَ نفسُك شبهَ طهارتِهم. سبِّح بقلبك في كلِّ وقتٍ، ليكونَ قلبُك هيكلاً للهِ. احفظ عينيك من كلِّ المناظرِ الكاذبةِ المنبهةِ للشهوةِ. ولا تكن محباً لصبيٍ، لأنه يجعل الذي يلتصق به فاعلَ شرٍّ. كن مجتمعاً مع ذاتِك بينك وبين الله، وكن ابنَ سِرٍّ لذلك الذي يفعلُ كلَّ شيءٍ من أجلِ اللهِ. عظيمٌ هذا الرجل الذي يفرز، وأثمارُ عملِه هي حياةٌ مؤبدةٌ. استمع لكلِّ وصايا إخوتك، ومثل حكيمٍ خلِّص حياتَك بمعرفةٍ من الوصايا التي فيها خسران. فهذه التعاليم للحكماءِ تكفي».
من قولِ بعضِ الشيوخِ: «في كلِّ شيءٍ تصنعه، اعلم أن اللهَ ينظرُ إليك دائماً، لتكونَ مخافتُه فيك، لكي تصنعَ مسرَّتَه. اضبط لسانك لئلا تقول كلاماً يُغضب اللهَ. اضبط عينيك لئلا تنظرَ الأرضيات، وتصير غريباً من السمائيات. لتكن الكنيسةُ لك شبه السماءِ، وانظر لئلا تتفكر بالأرضيات، وأنت قائمٌ فيها. تحفَّظ في صلاتِك بمخافةِ الله، لئلا تُغضبه بدلاً من أن ترضيه، فتحتاج صلواتُك لصلواتٍ. احذر من الضحك لأنه يحل الحواس، ويُبطل كلَّ فضيلةٍ».
سألنا أنبا أنانيه أن يقولَ لنا كلمةً، فقال لنا: «عليكم بالمسكنةِ والإمساك، لأني كنتُ في بريةِ مصرَ في شبابي، وحدث أن اشتكى أحدُ الآباءِ بطحالِه، فطلب جرعةَ خلٍّ، فلم يجد في تلك البريةِ كلِّها، وكان فيها ثلاثةُ آلاف راهبٍ، فشكا حالَه لأحدِ الشيوخِ الذي أمر بإحضارِ قليلٍ من الماءِ، ثم قام وصلى عليه ورسم باسم الآب والابن والروح القدس، ودهن به الطحال، فزال الوجع لوقتِهِ برحمةِ السيد المسيح».