وقال أيضاً: «إنَّه بالنميمةِ أغوت الحيةُ حواءَ وأخرجتها من الفردوسِ، وآدم معها، فمَن يقع بصاحبهِ، فإنه يُهلك من يسمعه، ونفسُه لا تنجو».
كان رجلٌ علمانيٌ معه ابنٌ فطيم، فذهب إلى الإسقيط وطالت مدته، فلما كبر الصبي ونشأ رَهْبَنَه، وحدث بعد رهبانيتهِ بقليلٍ أن بدأ الشياطين يُحركون فيه الشهوةَ الرديئةَ، فقال لأبيه: «إني ماضٍ من ههنا إلي العالمِ، لأني لستُ قادراً على أن أصبرَ على هذا القتالِ الصعبِ». أما أبوه فكان يهديه، ويطلب إليه ألا يمضي، ولكن الشابَ كان يعود إليه ويقول: «يا أبي، لستُ قادراً على أن أقيمَ ههنا، اتركني امضي». فقال له أبوه: «أطعني يا ابني هذه المرة فقط، خذ معك ثمانين خبزةً، وخذ كذلك من الخوصِ ما يكفي لعملِك مدة أربعينَ يوماً، وامضِ إلى البريةِ الداخلية، وأقم هناك إلى أن تفرغَ من خبزِكَ وعملِكَ، وبعد ذلك لتكن مشيئةُ اللهِ». فأطاعه الحدثُ، ودخل إلى البريةِ الداخليةِ، وأقام بها يتعبُ ويُضفِّر الخوصَ ويأكل خبزاً يابساً، فلما أتم عشرين يوماً ظهر له الشيطانُ الذي كان يقاتله في صورةِ امرأةٍ سوداء منتنةِ الرائحةِ، زِفرة جداً لدرجةِ أنه لم يستطع أن يطيقَ رائحةَ نتنها. فبدأ الشابُ أن يطردَها، فقالت: «لِمَ تطردني الآنَ؟ ألستُ أنا التي كنتَ أنت تشتهيني؟ ألستُ أنا التي أزرعُ في قلوبِ الناسِ الأفكارَ، وأملأهم شهوةً، كما ملأتُك شهوةً، وأُسقطهم في الزنى؟ أما أنت فمن أجلِ أنك أطعتَ أباك، فإن اللهَ لم يتركني أخدعك وأُسقطك في الهلاكِ، ولكنه نظر إلى خضوعِك وتعبك وأظهر لك رائحةَ نتني بغيرِ هواي». فشكرَ الشابُّ الله، وقام من ساعتهِ وعاد إلى أبيه، وقال له: «لستُ أريد أن أمضي إلى العالمِ بعدُ يا أبي، لأني قد رأيتُ العدوَ وتأفَّفتُ من رائحتهِ». وكان أبوه قد أُعلن له ذلك، فقال له: «لو أنك صبرتَ يا بُني لكمالِ الأربعين يوماً، وحفظتَ تمام وصيتي، لكنتَ رأيتَ أكثرَ من ذلك».