قوتل أخٌ بالزنى، فذهب إلى شيخٍ كبيرٍ وقال له: «يا أبي ماذا أصنعُ فإن قتالَ الزنى قد آذاني»؟ قال له الشيخُ: «هذا الشيء لم يقاتلني قط». فتعربس ذلك الأخُ، وذهب إلى شيخٍ آخر، وقال له: «ألا تعجب؟ فإني قد شكوتُ إلى فلان الشيخِ أذيتي من قتال الزنى، فأخبرني بشيءٍ يفوق الطبيعةِ، إذ قال لي: لم أُقَاتل أنا بهذا الشيء قط». فقال له ذلك الشيخُ: «يا حبيبي، إنَّ ذلك القديس لم يتكلم بذلك جُزافاً، ولكن ارجع وتب إليه واسأله بأن يخبركَ بقوةِ الكلمةِ». فرجع الأخُ إلى الشيخِ واستغفر منه قائلاً: «اغفر لي يا أبي، فإني خرجتُ من عندِك بجهالةٍ، ولكني أحبُّ أن تبين لي كيف لم تُقَاتل أنت قط بالزنى»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «إني منذ ترهبت، لم أشبع قط من الخبزِ ولا من الماءِ ولا من النومِ، فشغلتني هذه الثلاثة، ولم تدعني أحس بالقتالِ الذي ذكرتَه».
قال أنبا بيمين: «ممقوتٌ عند اللهِ كلُّ نياحٍ جسدي».
وقال شيخٌ آخر: «لا تشبع خبزاً، ولا تشته شراباً».
قال شيخٌ: «سيرةُ الراهبِ هي: الطاعةُ، الهذيذُ في ناموسِ الله الليل والنهار، لا يدين، لا يغضب، لا يظلم، لا يُبصر بعينيه سراً، لا يبحث عن عيوبِ الناسِ، لا يسمع بأذنيه نقصَ آخرين، لا يخطف بيديه، لا يستكبر في قلبهِ، لا يملأ بطنَه، لا يفتكر أفكارَ سوءٍ، لا تكن له دالةٌ ولا مزاحٌ مع أحدٍ، ويعمل أعمالَه بمعرفةٍ، ويجعل بالَه في خطاياه، ويطلب من اللهِ أن يَهَبَ له نوحاً واتضاعاً حقيقياً، ولا تكون له دالةٌ مع صبي، ولا خلطةٌ مع امرأةٍ، وإن كلَّمه إنسانٌ فلا يلاججه، وهكذا يكون ساكناً، هادئاً، مسكناً للروحِ القدسِ».
قال شيخٌ: «الذي يلزم السكوتَ لا يُجرَح ولا يُطعَن بسهامِ العدو، أما من يحبُّ الخلطةَ فإنه يُجرَح كثيراً».
قال شيخٌ: «إن أردتَ أن تنجحَ في إطفاءِ الغضبِ والرجزِ، فاقتنِ الاتضاع، ولتكن لك طاعةٌ ورجاءٌ في كلِّ أحدٍ، لأن الغضبَ والرجزَ يسوقان الإنسانَ إلى الهلاكِ، ويُبعدانه عن اللهِ، أما الاتضاع فإنه يحرقُ الشياطين، والطاعةُ هي التي جابت ابنَ اللهِ وسكن في البشريةِ، والإيمانُ خلَّص الناسَ، والرجاءُ لا يُخزي، وأما المحبةُ فإنها التي لا تدع الإنسانَ يسقطُ أو يبتعد عن اللهِ، فالذي يريد أن يخلصَ، عليه أن يقطعَ هواه في كلِّ شيءٍ، ويقتني الاتضاعَ، وليكن الموتُ بين عينيه».