قال أنبا إبراهيم: «إذا حملتَ نيرَ المسيحِ، فانظر كيف تمشي فيه، لا ينبغي لك أن تخلطَ عملَ الدنيا بعملِ المسيحِ، لأنهما لا يجتمعان معاً، ولا يسكنان كلاهما في موضعٍ واحدٍ. لا تسلك في الطريقِ الواسعةِ، لأن كثيرين سلكوا فيها فضلُّوا وذهبت بهم إلى الظلمةِ، حيث النار المعدَّة، ولكن اسلك طريقَ الحقِ والصوابِ، فإنها وإن كانت ضيقةٌ حزينةٌ ضاغطةٌ، لكنها تُخرِجُ إلى السعةِ والحياة، والنعيمِ الدائمِ. لا تبنِ جسدَك بالنعيمِ واللِباسِ، مثل البيوت المزخرفة، التي تؤول إلى الهدمِ والهلاكِ، ولكن ابنِهِ بالتوبةِ والأعمالِ المُرضيةِ للهِ على الأساسِ الوثيقِ، الذي بنى عليه القديسون: بمشيٍ هينٍ، وصوتٍ لينٍ، ولِباسٍ حقيرٍ، وطعامٍ يسيرٍ، وحبٍّ تامٍ، وطاعةٍ واتضاع، وحسياتٍ نقيةٍ».
التقى سائحٌ بسائحٍ آخر في بريةِ سيناء، فسأله: «بماذا يكون الخلاصُ»؟ قال له: «بالمعرفةِ بحقائقِ الأمورِ والعمل بحسبِ الحقِ». قال له: «إذن فمن لا يعرف لا يخلص»؟ قال: «لا». فقال: «وما هي المعرفةُ إذن»؟ قال: «أن يعرفَ العبدُ حقيقةَ خالقِهِ، ومِمَ خلقه، وما يؤول إليه أمرُه، فإذا عرف ذلك، فإنه لن يعصيه، بل سوف يصنع مرضاته طول حياته». فقال: «صدقتَ»، ثم انصرف.
قال ديادوخس: «لا يقدر إنسانٌ أن يقتني خوفَ اللهِ إلا إذا أحبَّ خصالاً وأبغضَ خصالاً أخرى، وذلك إذا أراد أن يكونَ راهباً حقاً». قالوا له: «وما هي الخصالُ التي تُحَب»؟ قال: «هي الشجاعةُ في غلبةِ الأهواءِ المظلمةِ، المحبة، العفة، العلم، الاتضاع، المسكنة، الرحمة، حسن الحديثِ ولينه، الصبر، السهر، التعب، الطاعة، وما أشبه ذلك مما يُرضي الله، فمن كانت له هذه الخصال رَجَوتُ له الخلاصَ». فقالوا له: «وما هي الخصالُ التي تُبغَض»؟ قال: «الشَرَه، الفسق، الحقد، اللجاجة، الرياء، الكذب، النميمة، الحسد، الشر، العجز، الضجر، التواني، الغفلة، البذخ، التيه، العظمة، العُجب، الصلف، وما أشبه ذلك».