الأبَ سلوانس: حدث مرةً أن أضافه إخوةٌ بديرٍ ومعه تلميذه زكريا، وجعلوهما يتغذيان قبل انصرافهما. وفي ذهابهما عطش التلميذُ، فلما وجد في الطريقِ ماءً ليشربَ، منعه الشيخُ قائلاً: «لم يأتِ وقتُ الإفطارِ بعد». فقال له التلميذُ: «ألم نأكل قبل انصرافنا يا أبي»؟ فقال له الشيخُ: «إنه لأجلِ المحبةِ أكلنا، والآن لا نحلُّ قانونَنا».
وكان هذا الأبُ جالساً مرةً مع إخوةٍ، وفجأةً أُخذ مبهوتاً وسقط على وجههِ، ومن بعد حينٍ قام باكياً، فقال له الإخوةُ: «ما الذي أبكاك يا أبانا»؟ فسكت باكياً، فلما أكرهوه على الكلامِ قال: «إني اختُطفتُ إلى موضعِ الدينونةِ، ورأيتُ كثيرين من جنسنا يُساقون إلى العذابِ، وكثيرين من العلمانيين منطلقين إلى الملكوتِ». وناح الشيخُ ولم يشأ أن يخرجَ من القلايةِ، وإذا أُكره على الخروجِ، فإنه كان يستر وجههَ ببُرنس قائلاً: «لماذا أرى هذا الضوءَ»؟
ولما كان الأب سلوانس بطور سينا، أرسل تلميذَه في خدمةٍ وقال الشيخُ في نفسِه: «أقومُ الآن وأسقي البستان». فخرج وكان وجهُه مُغطى، وما كان ينظر سوى أثرِ قدميه فقط، وفي ذلك الوقتِ أتى إليه أخٌ، زائراً له، وكان يتأمل ماذا يصنع، في حين أن الشيخَ لم يكن يبصره. فلما جاء إليه الأخُ، قال له: «لماذا غطيتَ وجهَك يا أبي، وأنت تسقي البستانَ»؟ فقال له: «قلتُ لئلا تبصرَ عيني الشجرَ، فينشغل عقلي عن شغلِه».
كذلك سأله الإخوةُ عند موتِه قائلين: «أيَّة سيرةٍ صنعتَها أيها الأب، حتى اقتنيتَ هذا الحكمَ»؟ فأجاب: «لم أترك قط في قلبي ذِكراً يُسخط الله».