في أيام باسيليوس الملك، ظهر من بلدة مقودنية راهبٌ مُضل في شكل إنسانٍ وديعٍ، مجترح آياتٍ، عالم بالغيبِ، هذا توسط له البطريرك فوتيوس مع الملك وجمع بينهم، فمال الملكُ إليه وأكرمه كرامةً زائدةً، وكان للملك ولدٌ اسمه قسطنطين توفي، فلما رأي الراهب إفراط الملك في الحزنِ على فقدِ ولدهِ، وعده بأنه سوف يريه إياه حياً، وفعل ذلك بالخديعةِ إذ بينما كان الملكُ عابراً ببعضِ المواضع، فرأى شيخاً راكباً على فرسٍ لابساً حلةً منسوجة بالذهبِ في صورةِ ابنه، فعانقه ظاناً أنه ابنه حقيقةً، ثم غاب عنه، وعمَّر في ذلك الموضعِ ديراً على اسم القديس قسطنطين ابن الملك.
قال الشيخ أوغريس: «لا تشتَق أن تنظرَ ملائكةً أو قواتٍ، أو المسيحَ حسياً، لئلا يضيع عقلُك بالكليةِ، وتقبل ذئباً بدلاً من خروفٍ، وتسجد لأعدائك الشياطين، لأن بدء ضلالةِ العقلِ التيهُ والكبرياءُ، إذا ما بدأ العقلُ يتحرك في العجرفةِ، فإنه يروم أن يُحضرَ الإلهَ في صوَّرٍ وأشكالٍ، لذلك يجب ألا تجهل هذا الغشَ، وهو أنه في وقتٍ ما، يقسِّم الشياطين ذواتَهم، فبعضٌ منهم يبدءون بمحاربتك، ويحققون عندك أنهم شياطين، فإذا طلبتَ المعونةَ، تجد البقيةَ يدخلون إليك في شكلِ ملائكةٍ قديسين – وهم شياطين – ويطردون أولئك الأولين ليخدعوكَ، فتظن أنهم ملائكةٌ قديسون، وهم شياطين، كذلك تُوَسوِسُ لك الشياطينُ في وقتٍ ما بأفكارٍ، ثم يحركونك للصلاةِ عليهم ومقاومتهم، فينصرفون باختيارهم، كي ما إذا انخدعتَ ظننتَ بنفسِك شيئاً، فتتكبر كأنك قد بدأتَ أن تقهرَ أفكارَك وتُفزِع الشياطين».
من كلام أنسطاسيوس السينائي: ليس كلُّ من يعملُ آياتٍ فهو قديسٌ، بل نجد كثيرين يعملون آياتٍ وتتلاعب بهم الشياطين، لأننا قد فهمنا من حالِ أسقفٍ هيراطيقي اسمه مقدونيوس، محارب الروح القدس، أنه قد نقل شجرةَ زيتونٍ من موضعِها وغرسها في موضعٍ آخر بشكلِ الصلاةِ، وحدث كذلك أن كان رجلٌ ظالمٌ قد أزعج امرأةً أرملةً لأجلِ دَينٍ كان له على زوجهِا، وزاد قيمةَ الدينِ عن الحقيقةِ، ولم يكن الميت قد دُفن بعد، فما كان من ذلك الأسقف المذكور إلا أن جعل الميتَ يتكلم ويخبر بمقدارِ الدَينِ. كذلك لما مات ذلك الأسقف الهيراطيقي، ظهرت عند قبرهِ خيالاتٌ كثيرةٌ وعُملت آيات، من أجل ذلك لا يجب أن تقبلَ كلَّ من يصنع آياتٍ قائلاً إنه قديسٌ، بل يجب أن يُمتحنوا ويُختبروا على رأي القائل: «لا تصدقوا كلَّ روحٍ، بل جربوا إن كان ذلك الروحُ من الله، لأن أنبياءَ كثيرين كذابين قد خرجوا إلى العالمِ». والرسول يقول: إن هؤلاء رسلٌ كذابون وفعلةٌ غاشون، متشبهون برسلِ المسيح، وإن كان الشيطان يظهر بشكلِ ملاكِ النور، فلا عجب إن كان خدامُه يصنعون آياتٍ وأشفيةً جسديةً ليخدعوا من كان سهلَ الانقيادِ لخداعِهم، وقد يُظهرون أحياناً ميتاً قائماً بواسطةِ صلاةٍ بطالةٍ من إنسانٍ مضل، وذلك بأن يدخلَ إبليسُ في جسدِ الميتِ ويحركه ويخاطب الأحياءَ من وجهِ الميتِ، ويُجيب الإنسانَ المخدوعَ عما يسأله، ويخبر عن أشياءٍ خَفيّةٍ وعما عمله قومٌ سراً، حتى إذا وثقوا به أنه صادقٌ، سهل عليه إدخال الضلالةَ التي تخصه. كذلك يتجاسر الشياطين على أن يُحدِّثوا عن خصبِ الأرضِ وجدبها، واختلافات الأهوية وكثرة الأمطار وقلتها وما شاكل ذلك، كما يمكنهم فهم آراء الناسِ من إشارات وإمارات يرونها في الإنسانِ أو يتصيدون ذلك من وجوهٍ أخرى، وليس ذلك فقط، يل ويسبقون فينذرون بموتِ قومٍ من الناسِ، لأن العنايةَ الإلهيةَ قد وضعت علاماتٍ في جسمِ البشرِ كما يعرف ذلك أولئك الذين حذقوا صناعة الطب حذقاً بليغاً، إذ يستدلون على موتِ الناس من علاماتٍ تظهر فيهم من زيادة الكيموسات ونقصان الدم، وتغير المزاجات وغير ذلك، لا سيما أن الشياطين أرواحٌ لطيفةٌ، وأيضاً لطولِ زمانهِم وكثرةِ تجاربهم. فالنساء العرّافات والمنجمون يُحدِّثون بما يحكم به الشياطين، ليس عن سابقِ علمٍ، بل لزيادة التجربةِ. وليس ذلك مقبولاً، فقد عرفنا قوماً سحرةً مشعوذين، قد صنعوا آياتٍ متنوعةً من فعلِ الشياطين، مثل هاروت وماروت اللذين كانا على عهد موسى، فإنهما جعلا عصيهما حياتٍ، وقلبا المياهَ دماً، وأصعدا من المياهِ كثرةً من الضفادع. كذلك سيمون الساحر في عهد الرسل، فكم من الآياتِ الفنطسية (أي الخيالية) صنع، فلقد حرَّك أصناماً وجعلها تمشي، وطُرح في النار ولم يحترق، وطار في الهواءِ، وحوَّل حجارةً إلى خبزٍ، وصار حيةً، وتشكل بهيئةِ حيواناتٍ، وفتح أبواباً مرتجة، وفك قيوداً، وحل حديداً، وعلى الموائدِ أظهر أشكالاً، وجعل ظلاً يتقدمه زاعماً أنه من أرواح الذين ماتوا، وإذ رام كثيرون من السحرةِ أن يفضحوه، غيَّر شكلَه، ثم بحجةٍ ما، دعاهم إلى وليمةٍ حيث ذبح ثوراً وأطعمهم، فنزلت بهم أسقامٌ كثيرةٌ، وصرعتهم شياطين مَرَدةٌ، وأخيراً لما طلبه الملك، فزع منهم، وهرب وطرح شكلَه على غيرهِ.
من كلام البابا أثناسيوس: سؤال: «كيف يصنع الهراطقةُ آياتٍ كثيرةً»؟ الجواب: «سبيلُنا ألا نستغرب ذلك، لأننا قد سمعنا الربَّ قائلاً: إنَّ كثيرين يقولون لي في ذلك اليوم يا ربُّ يا ربُّ، أليس باسمك تنبأنا، وأخرجنا شياطين، وصنعنا قواتٍ كثيرةً؟ فأقول لهم، إني لا أعرفكم قط، انصرفوا عن يا فاعلي الإثم. فعلى أكثرِ الحالاتِ يتسبب الشفاءُ بإيمان المتقدم وليس بسيرة المجترح، لأنه مكتوبٌ: إن إيمانَك خلَّصك. لأن ليس في الأرثوذكسية فقط اجتراح آياتٍ، بل وقومٌ أردياء الاعتقاد، مراراً كثيرةً تقشفوا وقدموا لله أتعاباً، فأخذوا أجرَهم في هذا العالمِ منحةً من الله، كشفاءِ الأمراض لكي ما يسمعوا ذلك في العالمِ العتيدِ: إنك قد استوفيتَ خيراتك في حياتِك».
من سيرة الأب باخوميوس: لما سمع بسيرةِ الأب باخوميوس قومٌ من رهبانٍ هراطقةٍ، أرسلوا إليه جماعةً لابسين شعراً وقالوا للإخوةِ: «إنَّ كبيرَنا مقدونيوس قد أرسلنا إلى أبيكم قائلاً: إن كنتَ رجلَ اللهِ حقاً وما سمعناه عنك صحيحاً، فتعالَ لنعبرَ أنا وأنت النهرَ ماشييْن بأرجلنا على سطحِ الماء، فيعرفَ كلُّ واحدٍ عملياً من منا له دالةٌ ووجاهةٌ عند الله». فعرَّف الإخوةُ الأبَ بذلك، فأنكر عليهم ذلك قائلاً: «لماذا أجزتم سماعَ هذا الكلامِ بالجملةِ؟ أما علمتم أن هذه المسائل بعيدةٌ عن الله، ولا تقبلها سيرتُنا؟ لأنه أيُّ ناموسٍ يأمر بهذا ويبعثنا على القيام به»؟ فقال الإخوةُ: «أيتجاسر هيراطيقي بعيدٌ عن الله أن يستدعيك لمثلِ هذا»؟ فأجابهم: «قد يمكن للهيراطيقي أن يعبرَ على ظهر النهرِ كعبورِه على أرضٍ يابسةٍ بمظافرة الشيطان إياه، وبسماحٍ من الله، حتى لا ينفك كفرُه. فامضوا وقولوا لهم: هكذا قال عبدُُُ الله باخوميوس: إن حرصي أنا، هو هذا: ليس لكي أعبرَ هذا النهرَ ماشياً، بل كيف أعبرُ دينونةَ اللهِ الرهيبةَ وأن أعبرَ كذلك ذلك النهرَ الناري الجاري قدام مجيء السيد المسيح، وأن أعبرَ أيضاً هذه الأعمال الشيطانية بقوةِ الربِ». ولما قال هذا الكلام أقنع الإخوةَ بأن لا يفتخروا بأعمالهِم، ولا يشتهوا اجتراح الآياتِ، ولا يجربوا الله البتة على رأي القائل: «لا تجرب الربَّ إلهَك».