وفي بعضِ الأوقاتِ جاء إخوةٌ إلى الأب أنطونيوس يخبرونه عن أحلامٍ يرونها ليعلموا هل هي حقيقيةٌ أم من الشياطين، وكان معهم أتانٌ قد مات في الطريقِ. فلما سلَّموا عليه ابتدرهم قائلاً: «كيف كان طريقُكم؟ وكيف مات الأتانُ الصغير»؟ فأجابوه: «مِن أين علمتَ يا أبانا»؟ فقال لهم: «إن الشياطينَ أروني ذلك في الحلمِ». فقالوا له: «ونحن لهذا الأمرِ بعينِهِ جئنا نسألك، لئلا نضلَّ، لأننا نرى أحلاماً ونصدقها مراراً كثيرةً»، فأكد لهم الشيخُ من حالِ الزمان الذي أخبرهم به، أن هذه التخيلات من الشياطين.
وقال أيضاً: «وإنْ تظاهرَ الشياطين بسابقِ المعرفةِ، فلا تَمِل إليهم، لأنهم يخبرون بأشياءٍ كثيرةٍ قبل كونِها بأيامٍ، ليقنعوا الذين يصغون إليهم بصدقِهم، فإذا صدَّقوهم أضلوهم بعد ذلك وأهلكوهم بمداغلتهم واغتيالهم، أما هم – أعني الشياطين – فليس لهم سابق معرفة، لأن عِلمَ الغيبِ لله وحده، وإنما هم سعاةٌ خفيفون مسرعون في الهواء، والذي يرونه يسبقون وينذرون به، فاطلبوا من الله ليؤازركم على دحضهم، ومتى طرقوكم ليلاً على أنهم ملائكةٌ، لا تصدقوهم لأنهم كذبةٌ».
وقال أيضاً – أعني القديس أنطونيوس: «إذا ما بدأ الإنسانُ في المجيء من بلدةٍ بعيدةٍ، فعندما يراه الشياطين هكذا، يسبقون وينذرون بمجيئهِ قبل أن يجيء، وقد يتفق مراراً كثيرةً أن ذلك الإنسانَ يُعاق أو يرجع لعارضٍ ما، فيظهر كذبُ الشياطين، وهكذا يَهْذُون عن ماءِ النيل، لأنهم متى عاينوا الأمطارَ الكثيرةَ في بلاد الحبشةِ، يعرفون أن ماءَ النهرِ يكون كثيراً، فيسبقون ويخبرون بذلك. وكما كان ديدبان داود الملك يقف في أعلى موضعٍ فينظرَ ما لم ينظره من كان تحته فيخبر به، هكذا هؤلاء الأرجاس أيضاً يفعلون ذلك ليُضلّوا».
كان إنسانٌ اسمُه دكياس يسكن جبلاً من أعمالِ أورشليمَ، هذا لم يصلِّ مع أحدٍ جملةً، وبغتةً تجاسر على أن يخدمَ القداس وهو علماني.
وآخر سكن طور سيناء، وكان يظن أنه يسلك سلوكاً حسناً، هذا عجرفته الشياطين في المنامات، وتخيل أنه قَبِل شرطونية الأسقفية، فجلس وأخذ يعمل عملَ الأساقفةِ.
من رسالةٍ للقديس سمعان: جميعُ المناظرِ التي يمكن للناس إبانتها في الأجسامِ، إنما هي من تخايل أفكارِ النفسِ وليست من أفعال النعمةِ، لأن من شأنِ هذا الأمرِ أن يتبعَ الرهبانَ الشديدي البحث والفرنسة، محبي العجرفة، الجانحين إلى الكبرياء والأبهة، المتمسكين بالرفيعات، المرائين.