عرض مشاركة واحدة
قديم 18 - 10 - 2017, 11:02 AM   رقم المشاركة : ( 228 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

وآخر اسمه أبطلما، عاش عيشةً يعسُر وصفُها، هذا أولُ أمرهِ سكن فوق الإسقيط في الموضع المعروف بالمفارج، وهو مكانٌ لم يسكنه قط ساكنٌ من الآباءِ، وكان بينه وبين الماءِ ثماني عشرة مسافة، واتخذ لنفسِه جرةً ولقَّانين (وعاءين) وكان يجمع الندى بإسفنجٍ من على الصخورِ في شهريْ كانون الأول وكانون الثاني ويعصره في تلك الأوعيةِ ويرفعه للصيفِ، ومكث على تلك الحال خمسَ عشرةَ سنةً لا يكلم أحداً، وتغرََّب من ملاقاةِ رجالٍ أبرارٍ ومخاطبتهم، وعَدِمَ التعليمَ الروحاني والتناولَ من الأسرارِ الطاهرة، فجعل يبحث عن حقائقِ الأمورِ وغوامضها، فجُنَّ، وصار يقول: «إن الأشياءَ ليس له مدبرٌ وإنها موجودةٌ مدبَّرةٌ منها وبها، فلأيِّ شيءٍ أُشقي نفسي، وأيُّ ثوابٍ يكونُ لمن يبلغ إلى هذا التعبِ»؟ فلما أجال في فكرهِ هذه الأفكار تَوَسْوَسَ وضاع عقلُه، فنزل إلى مصرَ، وهكذا أخذ يدور من مكانٍ إلى مكانٍ ليلاً ونهاراً مطرِقاً إلى أسفل وهو لا يحادث أحداً، وكان منظرهُ يُرثى له، كما كان كلُّ واحدٍ من النصارى يراه يبكي عليه إذ صار ملهاةً ولعبةً لمن لا يعرفُ سيرتنا، وقد لحقت به هذه المصيبةُ الكبرى لتيهِهِ وصلفِه وظنهِ بنفسِه أنه قد فاق سائرَ الآباءِ ظاناً بنفسِه ما ليس هو فيه، ومن حيث أنه لم يصغِ إلى مشورةِ أحدٍ من الآباءِ فقد هبط هبوطاً فظيعاً ومات أشرَّ ميتةً. ويشبه حالُه حالَ شجرةٍ مورقةٍ وبالأثمارِ مخصبة، ضربتها ريحٌ شديدةٌ فسقطت بغتةً وتعرَّت من أوراقها وأثمارها وبقيت يابسةً، وهذا هو ما يلحقُ بمن يتدبر برأي نفسِه ولا يسمع مشورةَ الحكماءِ.
  رد مع اقتباس