وأيضاً شابٌ آخر إسكندري، كان رشيقاً ذكياً فطناً حسنَ السيرةِ، هذا بعد إحكامهِ سيرةً فاضلةً، وصل إلى ذروتها وبلغ غايتها بأتعابٍ كثيرةٍ وأعراقٍ جزيلةٍ، فتشامخ وتعجرف حتى أنه رفع عنقَه على جميعِ الآباءِ، بتيه وأُبهةٍ، وتجاسر على شتيمةِ الكلِّ وفي جملتهم شَتَمَ القديس أوغريس قائلاً: «إن كلَّ الراسخين لتعاليمِك مخدوعون، لأنه لا معلم غير المسيح وحده»، واستشهد حسب جهالته قائلاً إن المخلص نفسه قد جزم قائلاً لا تدعوا لكم معلماً على الأرضِ. وأظلمَ عقلُه لتعجرفِه، فانحطَّ انحطاطاً يُرثى له، حتى أنه غُلَّ بالحديد. ولقد كان كثيرون يتحدثون بشدةِ نسكِه، وقال قومٌ إنه كان يصوم ثلاثة أشهر لا يأكل فيها إلا ما كان يتناوله من القربانِ في يومِ الأحد مع ما يتفق له مِن الحشائش البرية. ولقد كانت لي أنا به خبرةٌ مع ألبيانوس الطوباوي، ففي وقتٍ من الأوقاتِ مضينا إلى الإسقيط وكان بيننا وبين الإسقيط أربعين مرحلةً، أكلنا فيها دفعتين وشربنا ماءً ثلاثة أيام وهو لم يذق فيها شيئاً، بل كان يتلو محفوظاته وما كنا نلحقه ماشياً. وهكذا ضبطه العدو أخيراً لما اقتنع برأيهِ وفي عروض ذلك أمسكته حمى محرقةٌ فما أمكنه الجلوس في القلايةِ، فمضى إلى الإسكندريةِ ولعل ذلك كان بسياسةٍ إلهيةٍ كما قال: دفع مسماراً بمسمارٍ. لأنه أسلم ذاتَه باختيارِه لعدم الإفراز، فوجد فيما بعد خلاصاً غيَر طوعي، فصار يحضر المشاهد وطرد الخيل، ومن كثرةِ أكلهِ وغرامهِ بشربِ النبيذ مال جداً لمحبةِ النساءِ، ولما شارف الوقوع في تلك البئرِ، حدث له، ولعله بسياسةٍ إلهية، أن مرض في عضوِ تناسلهِ مدة ستة أشهر حتى أن تلك الأعضاء تهرأت وسقطت منها وبها، وفيما بعد برئ وعاد عادماً تلك الأعضاء، فانتبه وذكر السيرة السمائية واعترف بجميعِ ما عرض له للآباءِ القديسين، ولم يفسح له الأجل فتنيح بعد أيامٍ قلائل.