عرض مشاركة واحدة
قديم 18 - 10 - 2017, 11:01 AM   رقم المشاركة : ( 226 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

دخل راهبٌ إلى البريةِ وكان يصوم الستةَ أيامٍ، وفي اليوم السابع كان يأتي إلى الصلاةِ ويتناول الطعامَ، ولا يزيدُ عن الصلاةِ كلمةً، فهذا مضى إليه الشياطينُ وخدعوه في أشياءٍ كثيرةٍ وأنذروه بأمورٍ جرت في بلدانٍ مختلفةٍ، فصدَّق بما خُيِّل له وظن بالمخيلين له أنهم أرواحُ قواتٍ قديسةٍ، واتفق وقتئذ أن مضى ليفتقد أخاً مريضاً وتظاهر لقومٍ كانوا هناك كأنه يحكي عن غيرِه فقال: «هل يمكن لإنسانٍ أن يعلمَ ما يجري في العالمِ»؟ فلما سمعوه فهموا أنه هو المخدوع، فزجروه قائلين: «إن شَغلتَ فكرَك بمثل هذا الخداع فلا تَعُد إلينا». وللوقت انتبه وندم، فلما عادت الشياطين تخبره، دعاهم كذبةً، وللوقت تغيرت صورهم إلى حيواناتٍ مفزعةٍ وتهددوه وانصرفوا عنه.
وراهب آخر اسمه ولاس، قورنثاني العقل متشامخ، هذا جاء إلى البريةِ وسكن مع الآباءِ لعدةِ سنين، وأتقن التقشفَ وشظفَ السيرةِ إلى أقصى غايةٍ، فخُدع من الأُبهةِ وتناهى في العجرفةِ كثيراً، وأقنعه إبليسُ بأنَّ الملائكةَ تخدمُه في كلِّ ما يحتاج إليه، وكما حكى عنه رفاقُه، إنه في وقتٍ من الأوقاتِ وهو يُخيِّط الزنابيلَ في ليلٍ معتمٍ داجٍ أن رمى بمسلةِ الخياطةِ على الأرضِ فظهرت له شمعةٌ بفعلِ إبليسِ، فتعجرف واستكبر من هذا الحادثِ المرِّ، فاتفق أنَّ قوماً غرباءَ أحضروا إلى الإخوةِ فاكهةً، فأرسل الأب مقاريوس الطوباوي لكلِّ واحدٍ نصيباً بمقدار حفنةٍ، وأنفذ له ضمناً، فلم يأخذ ما أُرسل إليه، بل شتم وضرب موصِّلَه وقال له: «امضِ وقل لمقاريوس، ما أنا دونك لتُنفذ لي بركةً». فعلم الأب أنه قد خُدعَ، وبعد يومٍ مضى إليه ليعزيه، وقال له: «يا أخي لقد تلاهت بك الشياطينُ، فكُفّ واطلب من الله أن يرحمَك». فلم يُصغِ إلى كلامِه، فمضى من عندِه حزيناً متحققاً انخداعه، فلما رأى إبليسُ أنه قد انخدع له وانقاد إليه، تشكَّل له بشكلِ المخلصِ وأتاه بالليلِ مع شياطينِه كملائكةِ الربِّ حاملين أنواراً، وظهر له في كرةٍ ناريةٍ تخيَّل له في وسطها المخلص، وإن واحداً من الشياطين قال له إن المسيح قد أحب سيرتَك وقد جاء لينظرَك، فاخرج من قلايتِك ولا تعمل شيئاً آخرَ سوى أنك تقوم من بعيدٍ، وإذا نظرته قائماً وسطَ الكلِّ، خر له ساجداً، ثم ارجع إلى قلايتِك. فلما خرج ولاس وراء المصاف وحاملي الأنوار، وقف على بعدٍ وسجد لضد المسيح، وهكذا انخدع عقلُه المفسود لدرجةِ أنه جاء إلى البيعةِ في اليوم الثاني وبمشهدٍ من جماعةِ الإخوةِ قال: «إني لستُ في حاجةٍ إلى قربانٍ لأني بالأمس شاهدتُ المسيحَ». حينئذ ربطه الآباءُ بالحديدِ مدة سنةً كاملةً حتى كسروا عجرفتَه وكبرياءَه بسيرةٍ لا عجب فيها، وشفوا الضدَّ بالضدِّ على ما يقال. فإن كان مع غروس الفردوس نَبَتَ عودُ معرفةِ الشر والخيرِ، فلا عجب إن نبتت مع المناقبِ الشريفةِ أثمارٌ رديئةٌ تولِّد الموتَ، فيليق بالمفرِز أن يكونَ كلَّ حين حذراً، لأنه مراراً كثيرةً تصير الفضائلُ الجليلةُ أسباباً لسقطاتٍ عظيمةٍ، متى لم يحكمها محكم بنيةٍ متضعةٍ ذات إفرازٍ، وعلى ما كُتب: «رأيتُ صدِّيقاً هالكاً ببرهِ»، مع أن البرََِّ لم يكن سببَ الهلاكِ بل العجرفة.
  رد مع اقتباس