أخبر أحدُ الآباء إنه كان ساكناً بالقربِ من أخٍ عمَّال مع الله، فاعتراه توانٍ وكسل، وبعد مدة انتبه من توانيه ولام نفسَه قائلاً: «يا نفسي، إلى متى تتوانين عن خلاصِك؟ أما تخافين من دينونة الله يا شقية وأنت في مثل هذا التواني، فتُسلَّمين للعذاب الدائم»؟ فلما تفكَّر في مثل هذا، أنهضَ نفسَه في عملِ الله. ففي بعض الأيام وهو واقفٌ يصلي، أحاطت به الشياطين وعذَّبته، فقال لهم: «إلى متى تؤذونني؟ أما كفى ما قاسيته في زماني من التواني»؟ فقالت له الشياطين: «لما كنا نراك متوانياً، كنا متوانين عنك، ولما رأيناك قمتَ وتجردت لنا، قمنا نحن أيضاً عليك، فتلقَّى ما يأتيك». فعندما سمع ذلك، أخذته غيرةٌ، وازداد نشاطاً وحرارةً في عمل الله. وبنعمة الله حصل على الغَلَبة.
كان شيخٌ قديس له عادة إذا جلس في عمل يديه ينظر إلى الأرضِ، ويجمع عقلَه ثم يحرِّك رأسه ويقول بتنهدٍ: «تُرى ماذا يكون»؟ ثم يسكتُ قليلاً ويرجع إلى عملِه في الضفيرة، ثم يعيد القول، وهكذا استمر على هذه الحال جميع أيام حياتهِ.
أخٌ أغلق على نفسِه بابَ قلايته زماناً يسيراً، فقاتلته أفكارٌ مكتومة وأحلامٌ سمجة، فأراد الامتناعَ من شربِ الخمر، فبعث إلى شيخٍ قديس يستشيره في ذلك، فأجابه الشيخُ قائلاً: «إن كنتَ تريد أن تخلص فاهرب من شيطانِ العظمةِ، واجعل لك قليلَ محقرةٍ لأن المحقرةَ تُهلك العظمةَ وتبعدها، ولا تدع أحداً يخدمك، بل اخدم أنت نفسك، وأنت تخلص بمعونة الله، والآن فلا تغلق البابَ الخشب، بل بالحري أغلق بابَ لسانِك».
قال شيخٌ: «إذا كنتَ جالساً في قلايتك بسكوتٍ، فلا تظن أنك تفعل أمراً كبيراً، بل افتكر أنك كلبٌ عَقُور مسجون، كيلا تبصر الناسَ فتعقرهم».
قال أحدُ الشيوخِ: «عوِّد نفسَك يا ابني عند كلامِك عن الرهبان أن تقول: إن هذا أخيَرُ مني، وهذا أحرصُ مني في رهبانيته، وهذا أبرُّ مني. على أن تقول ذلك بنيةٍ صادقةٍ من كلِّ قلبك، لأن ذلك يجعلك تنظر ذاتَك تحت الخليقةِ كلِّها، وحينئذ يسكن فيك روحُ الله، أما إن كنتَ تزدري بإخوتك وتحتقرهم وتَعُدَّ نفسَك شيئاً وتستكبر، فإن نعمة الله تبعد عنك، وتُسلَّم إلى دنس الجسد الذي يقسِّي قلبَك مثل الحجرِ».
قال أحدُ الشيوخ: «إذا كان الراهبُ حريصاً مجاهداً، فإن الله يطلب منه ألا يرتبطَ بشيءٍ من أمورِ هذه الدنيا، لئلا يشغله ذلك عن ذِكر ربِّهِ، وعليه أن يطلبَ إليه بلجاجةٍ وبكاءٍ ليغفرَ الله خطاياه».
وقال شيخٌ: «كلُّ من ذاق حلاوةَ المسكنةِ، فإنه يستثقل ثوبَه الذي يلبسه وكوزَ الماء الذي يشرب به، لأن عقلَه قد اشتغل بالروحانيات. فإذا ما ارتبط الراهبُ بالدنيا وما فيها، وصنع هواه، فإن جميعَ تعبهِ يذهبُ باطلاً».
وقال أيضاً: «الجوعُ والتعبُ يُبطلان قتالَ الزنى، وطولُ الروحِ والرحمةُ يهدئان الغضبَ، وقراءةُ الكتبِ والسهرُ في الصلاةِ يجمعان العقلَ الطوَّاف».
قال شيخ: «كلُّ من يحاربه إبليس وجنوده بالقتال، وهو لأجل ذلك ينوح ويبكي ساهراً، طالباً معونة الله، فهو يُستجابُ، لأن السهرَ يحلُّ الخطيةَ، والبكاءُ يغسلُ الذنوبَ».
كما قال شيخٌ: «إن الهدوءَ هو أولُ زكاوة النفس، لأن اللسانَ حينئذ لا يتكلم بكلام الناس، والعينان لا تنظران الجمالَ والحسنَ المنحرف عن الواجب، والأذنان لا تسمعان الأصوات اللذيذة التي ترخي قوة النفس، مع كلام الضحك واللعب، والقلب لا يتبدد بالعلل البرانية، ولا الحواس تنصبُّ إلى العالم، ولكنه يرفع نفسه ويهتم بالله».