وقع أخٌ في بليةٍ، ومع الحزنِ أتلف عملَ رهبانيتهِ، وإذا أراد أن يبدأ بالعملِ من الرأسِ، كان يستثقل ذلك ويقول: «متى أبلُغ إلى ما كنتُ فيه»؟ وكان يضجر، وتصغر نفسُه، فلا يقدر أن يبدأ بعملِ الرهبنةِ مرةً أخرى، وأخيراً ذهب إلى أحدِ الشيوخ وقصَّ عليه أمرَه، فلما رأى الشيخُ حزنَه، ضرب مثلاً قائلاً له: «كان إنسانٌ له بقيع، فمن توانيه امتلأ ذلك البقيع شوكاً، وإنه بعد ذلك انتبه، وأراد أن ينقي ذلك البقيع من الشوكِ، فقال لابنِه: يا بُني، اذهب إلى البقيع ونقهِ واقلع شوكَه. فلما ذهب ابنهُ وأبصر كثرةَ الشوكِ، سئم وملَّ، ونام. وبعد أيامٍ كثيرةٍ، أتاه أبوه لينظرَ ماذا عمل الغلام، فلما رآه لم يعمل شيئاً، قال له: حتى الآن لم تنقِّ شيئاً؟ فقال الغلامُ: أخبرك يا أبتاه، كلما عزمتُ على البدءِ في العملِ، أبصر كثرةَ الشوكِ فأحزن، ومن كثرةِ الحزنِ كنتُ أضع رأسي وأنام. فقال أبوه: لا يكون الأمرُ هكذا يا ابني، ولكن نقِّ كلَّ يومٍ قدرَ مفرشك فقط، قليلاً قليلاً. ففعل الغلام كما أمره أبوه، وداوم على ذلك حتى فرغ الشوكُ من ذلك البقيع. وأنت كذلك يا حبيبي، ابدأ بالعمل شيئاً فشيئاً ولا تضجر، والله بطيبهِ ونعمتهِ يردُّك إلى سيرتك الأولى». فذهب ذلك الأخُ وعمل وصبر كما علَّمه الشيخُ فوجد نياحاً وأفلح.
قال شيخٌ: «احذر أن تصنعَ خطيةً بهواك، لئلا تعتادها فتصنعها بغير هواك، كالضحك».
وسُئل: «كيف أسكنُ في ديرٍ بغيرِ قلقٍ»؟ فقال: «ذلك بأن تَعُدَّ نفسَك غريباً، ولا تطلب أن يكون لك فيه كلمةٌ مسموعةٌ، كما تقطع هواك ولا تحسب نفسَك شيئاً».
كما سُئل عن الغربةِ، فقال: «هي الصمتُ، وترك الالتفاتِ إلى الأمورِ».
قال أخٌ لشيخٍ: «إني أرى فكري دائماً مع الله». فقال له: «الأعجب من هذا أن ترى نفسَك تحت جميعِ الخليقةِ، فلا سقوط مع الاتضاع».
وسُئل: «ما هو الاتضاع»؟ فقال: «أن تحسن إلى من أساء إليك، وتسكت في جميع الأمور».
قال أحدُ الشيوخِ: «إذا صرنا في السلامِ غيَر مُقاتَلين فسبيلُنا أن نتضعَ كثيراً، لئلا نُدخل علينا فرحاً غريباً، فنفتخر وننسب ذلك إلى جهادِنا ونتعظَّم في أنفسِنا فيتركنا من عنايتهِ، ونُسلَّم إلى القتالِ فنسقط، لأن الله لأجلِ ضعفِنا، مراراً كثيرة يرفع عنا القتالَ».
سأل الأنبا آمونالأنبا بيمينعن الأفكارِ النجسةِ التي تتولد في قلبِ الإنسانِ والحسيات البطالة، فقال له: «هل يقطع الفأسُ بغير إنسانٍ يقطعُ به؟ فلا تحادث أنت هذه الأفكار وهي تبطل».
وسأله أيضاً أنبا إشعياء عن هذه المسألة فأجابه: «إن وضع إنسانٌ ثيابَ صوفٍ في صندوق ولم يتعاهدها، أكلتها العثة وهلكت، كذلك الأفكار إن لم تفعلها جسدانياً بطلت».
وأيضاً سأله أنبا يوسف بهذا الخصوص، فقال له: «كما أنه إذا دخلت حيةٌ أو عقربٌ في جرابٍ، فإن ربطتَّه ولم تدعها تدخل وتخرج فهي تموت مع طول الزمان، وإن تركته مفتوحاً فهي تخرجُ وتؤذيك، كذلك الأفكار السوء التي تعرض لنا تبطل بالحراسة والصبرِ».
قال أخٌ لشيخٍ: «إن أصابني ثِقَلُ النومِ أو فاتني وقتُ صلاةٍ ثم انتبهتُ ولم تنبسط نفسي للصلاة حزناً، فماذا أعمل»؟ فقال له: «ولو نمتَ إلى الصباح فقم وأغلق بابك واعمل قانونك، فالنبي داود يقول مخاطباً الله: لك النهار ولك الليل، وإلهنا لكثرةِ جودِه ورحمتِه في أي وقتٍ دُعيَ أجاب».