قيل: إن ثلاثةً من الإخوةِ زاروا شيخاً، فقال له الأول: «يا معلمُ، لقد كتبتُ بنفسي العتيقة والحديثة، (أي العهدين القديم والجديد)»، فأجابه الشيخُ: «لقد ملأتَ طاقات قلايتِك ورقاً». فقال له الثاني: «إني قد حفظتُ العتيقةَ والحديثةَ في صدري»، فقال له الشيخُ: «لقد ملأتَ الهواءَ كلاماً». أما الثالث فقال له: «لقد نبتَ الحشيشُ وملأ موقدي». فقال له الشيخُ: «لقد طردتَ عنك محبةَ الغرباءِ».
أتى شيخٌٌ إلى قلايته، فوجد لصاً يسرقها، فقال له: «أسرع قبل أن يأتي الإخوةُ فيمنعونا من تكميل الوصية».
سُئل شيخٌ: «ما هي أعظمُ الفضائل»؟ فقال: «إذا كانت الكبرياءُ أشرَّ الخطايا حتى أنها أهبطت طائفةً من السماءِ إلى الأرضِ، فمن البديهي يكون الاتضاعُ الحقيقي المقابل لها أعظمَ الفضائلِ، إذ هو يرفعُ الإنسانَ من الأعماقِ إلى السماءِ، وقد غبَّطه الله قائلاً: مغبوطون أولئك المساكين بالروح، أي المتضعين بقلوبهِم، فإن لهم ملكوت السماوات».
وقال شيخٌ: «كما أن الميتَ لا يتكلمُ البتة، كذلك المتضع لا يزدري أحداً، حتى ولو رآه للأصنامِ ساجداً».
وقال أيضاً: «لا يوجد شيءٌ أصعب من العادةِ الرديئةِ، إذ يحتاجُ صاحبُها في سبيلِ قطعِها إلى زمانٍ وتعبٍ كثير، أما التعبُ فهو في متناول الكثيرين، ولكن الزمانَ الذي يحتاج إليه فما أقلَّ من قضاه حتى النهايةِ، لأن أكثرَ أصحابهِا اختطفهم الموتُ قبل تمامِ زمانِ قطعِها، والله وحدُه هو الذي يعلمُ كيف يدينهم».
كما قال أيضاً: «من لا يستطيع أن يُبغضَ المقتنيات، فلن يقدرَ أن يُبغضَ نفسَه حسب الوصيةِ المسيحية».
زار أخٌ شيخاً وسأله قائلاً: «كيف حالك»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «أسوأ الأحوال». فقال له الأخُ: «لِمَ ذلك»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: لأن لي ثلاثين سنةً وصلاتي خلالها عليَّ لا لي. لأني أقفُ قدام الله وألعن ذاتي وأقول ما لا أشتهي أن يخرجَ من فمي. إذ أقولُ: «ملاعين الذين حادوا عن وصاياك»، وأحيدُ عن الوصايا. وأفعلُ الآثامَ وأقول: «لا تتراءف على فاعلي الإثم». وأكذب كلَّ يومٍ وأقول لله: «إنك تُهلك كلَّ من يتكلم بالكذبِ». وأحقد وأقول: «اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن لمن أخطأ إلينا». وأخطئ وأقول: «عندما يُزهر الخطاةُ ويعلو جميعُ عاملي الإثم، فهناك يُستأصلون إلى الأبد». وآثم وأقول: «أبغضتُ جميعَ عاملي الإثم». وهمي كلُّه في المأكل وأقول بين يدي الله: «نسيتُ أكلَ خبزي». وأنامُ إلى الصباح وأقول: «في نصفِ الليلِ كنتُ أنهضُ لأسبِّحك». وليس لي خشوعٌ ولا دموع وأقول: «تعبتُ في تنهدي، وصارت دموعي خبزاً لي نهاراً وليلاً، وبدموعي أبلُّ فراشي». وأفكِّرُ فِكراً خبيثاً وأقولُ لله: «إن ما يتلوه قلبي هو لديك كل حين». وليس لي صيامٌ وأقول: «ركبتاي ضعفتا من الصوم». ونفسي متكبرةٌ وجسدي مستريحٌ وأقول لله: «انظر تواضعي وتعبي واغفر لي جميع خطاياي». ولا استعداد لي وأقول: «مستعدٌ قلبي يا إلهي». فقال الأخُ: «يا معلم، على ما يلوح لي، إن النبي قال ذلك عن نفسِه». فتنهَّد الشيخُ وقال: «صدقني يا ابني إن لم نعمل نحن بما نصلي به قدام الله، فإن صلاتَنا تكونُ علينا لا لنا».
قال شيخٌ: «إذا كان لا يعرفُ ما في الإنسانِ إلا روحُه، كقول الرسول، وإذا كنا نعلم أن كثيرين تابوا ولم نعلم بتوبتهم، وإذ قد يتفق أن يتوبَ إنسانٌ في آخرِ حياتِه ويُقبل كاللِّصِ، فسبيلنا إذن، أن لا ندينَ أحداً، فالديان هو الله وحده فكيف يجسر أحدٌ أن يتدخل فيما يخصُّ الله»؟
أتى لصوصٌ إلى قلايةٍ في وقت الصلاةِ، فقال القسيس للإخوةِ: «اتركوهم يعملون عملَهم، ونحن نعمل عملَنا».
قال أخٌ لشيخٍ: «لماذا لا أستطيع مساكنة الإخوةِ»؟ فقال: «لأنك لا تتَّقِ الله، فلو تذكرتَ المكتوب: إن لوطاً تخلص من بين أهلِ سدوم، لأنه لم يكن يدين أحداً منهم، فلو تذكرتَ ذلك، لاستطعت الإقامة أينما شئتَ، حتى ولو بين الوحوشِ».
وقال شيخٌ: «من يحقد على أخيه، فقد خزَّن ذنوبَه في ذاتهِ، وختم عليها».
وقال أيضاً: «كما أن الذئبَ لا يجتمع مع النعجةِ لإنتاجِ ولدٍ، كذلك شبع البطن لا يجتمع مع توجع القلب لإنتاج فضيلةٍ».
وقال كذلك: «كما أن الأرضَ لا تُنبت وحدها من غير بذارٍ وفلاحةٍ ومطر سمائي، وحراسةٍ مما يمكن حراستها من البهائمِ والطيور، وسلامةٍ من الله مما لا يقدر الإنسانُ على دفعِه، كالدود والجراد وريح السموم، فإن كانت الأرضُ لا تنبت بغير تلك الأمور، فكم بالحري النفس، فإنها لا تُثمر الفضائلَ بدون تعليمٍ وتعبٍ كثير ومعونةٍ إلهية واحتراسٍ من الأعداء بقدر استطاعةِ الإنسان، ثم تضرُّع إلى الله في طلب تعضيدِه إزاء ما تعجز قدرته عنه».
سأل أخٌ قديساً عالماً بما ينبغي أن يكون عليه الراهبُ. فقال له الشيخُ: «على ما أعرفُ أنا، ينبغي أن تكون وحدةُ السكنِ ملازمةً لوحدة الذات». فقال الأخُ: «إذا انفردتُ أخافُ». فقال له الشيخُ: «ذلك لأنك حيٌ بعد».
قال شيخٌ: «كما أن الأرضَ لا تسقط أبداً لكونها موضوعةً هكذا إلى أسفل، كذلك مَن وضع ذاتَه لا يسقط أصلاً».
كما قال: «لا تصادق رئيساً ولا صبياً ولا تخاطب امرأةً ولا تبغض إنساناً».