عرض مشاركة واحدة
قديم 18 - 10 - 2017, 10:45 AM   رقم المشاركة : ( 8 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قال الأب مطونس: «كلما دنا الإنسانُ من اللهِ، فإنه يرى نفسَه خاطئاً، لأن إشعياءَ النبي لما أبصر الله دعا نفسَه دنساً ونجساً».
قيل: مدح الآباءُ شخصاً في وجهِه بين يدي الأب أنطونيوس، فأراد الأب أن يمتحنَه إن كان يحتمل الذمَّ، فلم يحتمل، فقال: «هذا الأخُ يشبه قريةً مزينةً من خارجٍ، لكنها من داخلٍ خاويةً، بل ملآنةً من اللصوص».
وقيل أيضاً: شكا أخٌ إلى شيخٍ قائلاً: «إني أضربُ المطانيةَ للأخِ الواجد عليَّ، وهو غير نقي الفكرِ والضمير معي». فقال له الشيخُ: «لستَ تقولَ الحقَ، لأنك وأنت تضرب المطانية، تؤديها له بدونِ أن تتوبَ إليه من كلِّ قلبك». فقال له الأخُ: «نعم، بالصوابِ حكمتَ». قال له الشيخُ: «من أجلِ ذلك لا يُقنعه الله أن ينقيَ ضميرَه معك، لأنك لم تضرب له المطانيةَ وأنت مُسَلِّمٌ بخطئك نحوه، بل لا زال يَعْلُق في ضميرِك أنه هو المخطئ. ضع في ضميرِك أنك أنت المخطئ، وزَكِّ أخاك وبرِّئه من الخطيةِ، وحينئذ يحقق الله ذلك في فكرِه، ويُعطِّفه نحوك».
وسأله أخٌ آخر قائلاً: «إني أصنعُ مطانيةً للأخِ، ويبقى قلبي واجداً عليه». فأجابه الشيخُ: «إن هذا هو الحقدُ، وهو يتولَّد من الغضبِ، كما تتولَّد النارُ من القدحِ، فبالمطانية شفيتَ الغضبَ، ولكنك ما استأصلتَ الحِقدَ، فيجب أن تقطعَ الأوجاعَ وهي طريةٌ صغيرةٌ قبل أن تتفرَّع وتقوى فيعسُر قطعها. فلماذا لا تفهم ما تقوله قدام اللهِ في المزمور السابع: "يا ربي وإلهي، إن كنتُ صنعتُ هذا، وكان في يديَّ ظلمٌ، أو كافأتُ ظالمي شراً، إذاً أسقطُ في يدِ أعدائي خائباً، ويطلبُ العدو نفسي ويدركها". فإن كافأنا شراً بشرٍّ فنحن ندعو على أنفسنا لا ندعو لها. والمكافأةُ (على الشرِّ) تارةً تكون بالفعلِ، وتارة بالقولِ، وتارة بالفكرِ، وهذا هو الحقدُ. فقد لا يُحزِن من أحزنه، لكنه إذا رأى أو سمع أن غيرَه قد أحزنه يفرحُ، وقد لا يرى ذلك ولكنه يشتهي أن يراه، وهذه كلها من وجوه الحقدِ، وبعضُها أصعبُ من بعض».
كذلك سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «ماذا أعمل يا أبي، فإني عاتبٌ على أخي، وليس في نيتي سماحٌ بأن أغفرَ له»؟ فلما سمع الشيخُ هذا الكلام رفع عينيه إلى السماءِ وضرب صدرَه قائلاً له: «يا شقي، إن كنتَ تُغضب ربَ السماوات والأرض، وهو يطيل روحَه عليك ويغفر لك إذا ما تبتَ إليه، فكيف لا تغفر أنت لأخيك»؟
قال شيخٌ: «لقد تركنا الطريقَ المستقيمةَ التي رسمها لنا آباؤنا، وهي أن نلومَ ذواتَنا، ورجعنا باللائمةِ على القريبِ منا، وأصبح كلُّ واحدٍ منا يحرصُ ويجتهدُ في أن يُرجعَ السببَ على أخيه في كلِّ أمرٍ ويطرح ثقلَه على قريبهِ. كما صار كلُّ واحدٍ منا متهاوناً، وفي نفسِ الوقتِ نطالب قريبَنا بحفظِ الوصايا، مع أننا لا نحفظ شيئاً منها».
حدث في أحدِ الأيامِ أن جاء إلى شيخٍ أخان غاضبان على بعضِهما، وشكا إليه الأكبر منهما قائلاً: «إني إذا أمرتُ أخي بعملِ شيءٍ، فإن أمري هذا يُحزنه، كما أني أحزنُ كذلك لحزنِه، مفكِّراً أنه لو كان كاملاً في محبتهِ لي لكان يقبلُ ما أقولُه له بفرحٍ». أما الأصغرُ فقال: «يا ليتَه يكلمني بحسبِ مشيئةِ الله، لكنه يأمرني بسُلطةٍ حسب مشيئته، ولذلك لا يوافقني قلبي على طاعتهِ بحسب ما أوصى به الآباءُ». فقال الشيخُ: «يعلمُ الله أني متحيرٌ كيف أن الاثنين يلومُ كلٌّ منهما الآخرَ، كما يحزنان دون أن يلومهما أحدٌ، فعِوض أن يرجع الواحدُ منهما باللائمةِ على نفسِه ويقول: حقاً إني بسُلطةٍ أكلمُ أخي ولذلك يحزن؛ نراه بالعكس يقول: إنه لم يكن كاملاً في محبته لي. كذلك الآخر فعِوض أن يقول إن أخي يكلمني بحسب مشيئة الله لمنفعتي، نراه بالعكس أيضاً يقول: إنه يأمرني بسُلطةٍ حسب مشيئته. وهكذا بقي الاثنان حزينين بدون وجه حق، وذلك لأننا نستعمل أقوالَ آبائنا باعوجاجٍ حسب نوايانا الخبيثة، فكلُّ واحدٍ منا يلقي الذنبَ على رفيقهِ، ولذلك لا ننجح ولا نفلح».
  رد مع اقتباس